رؤى: الحركة الحقوقية وكوفيد-19 وتحديات اللحظة الحرجة

حمل هذا المقال كبي دي إف

هناك مبررات عديدة من شأنها الدفع نحو تعميق البحوث حول تأثير جائحة كوفيد-19 على الحقوق والحريات التي أصبحت معرضة للخطر، خصوصًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. على الأنظمة والحكومات التحرك وقيادة عمليات التصدي لهذه الجائحة والعمل على طمأنة مواطنيها؛ إلا أن منظمات حقوق الإنسان والأوساط الديمقراطية تخشى استثمار هذه الحكومات للجائحة بغرض تقليص الحريات وتكريس هيمنة الدولة على الفضاء العام، خاصةً إذا ما اتسمت تلك الأنظمة بطبيعة استبدادية. فالحكومات تعمل على الاستفادة من حالة الجزع التي أصابت الشعوب وجعلتها أكثر استعدادًا لاتباع السياسات الرسمية عسى أن تمكنها من مواجهة هذه الجائحة الخطيرة. تجلى ذلك في تقبل أغلبية المواطنين معظم إجراءات الوقاية التي تم الإعلان عنها. فالشعوب عادةً ما تضطر للاعتماد على حكوماتها وإن لم  تقم باختيارها عبر انتخابات حرة ونزيهة، إلا أن هذه الحكومات تبقى مسئولة عن إدارة شئون المجتمع  بحكم وجودها في السلطة، وليس بسبب الشرعية التي يفترض أن تستمدها من الشعب عبر الإرادة الحرة.[1] فالدولة المستبدة تحاول العودة من جديد من وراء هذا الخطر الصحي الداهم لتلعب دور «الدولة الحامية» لشعوبها. فما هي التحديات والتداعيات المتوقعة على الأفراد والجماعات، وتحديدًا على مستقبل الحركة الحقوقية في المنطقة؟

هل دخل العالم مرحلة الأوبئة الجديدة؟

هناك تأكيد في بعض الأوساط العلمية الدولية أن العالم قد دخل مرحلة جديدة من أهم خصائصها عولمة الأوبئة الخطيرة.[2] إذ بعد أن قطعت الشعوب خطوات كبرى في اتجاه الاندماج الاقتصادي والانفتاح الثقافي بفضل وسائل الاتصال والتنقل والتطور التكنولوجي والعلمي، أصبح بالتالي المجال مفتوحًا أمام الأوبئة للانتقال بسرعة فائقة مقارنةً بما كانت عليه الأوضاع في مراحل سابقة. لم يعد إغلاق الحدود، ووجود البحار والمحيطات، وتطبيق سياسات الانغلاق على الذات أو فرض سياسات الحصار على البلدان من قبل الدول الكبرى والأقوياء، وسائل ناجعة وكافية لمحاصرة الأوبئة القاتلة. فأي فيروس خطير يظهر هنا أو هناك يمكنه الانتشار بسرعة عبر حركة المسافرين، والتحول –خلال أيام قليلة– إلى جائحة إقليمية أو عالمية لا تميز بين شعوب غنية وأخرى فقيرة، ولا تستثني لون أو جنس. هذا المنعرج الجديد –والخطير في الآن نفسه– قد فاجأ الجميع، وبدأ يحدث تغييرات مرشحة لتزداد عمقًا وانتشارًا في أنماط الحياة، وكذا السياسات والعلاقات بين الأفراد والدول.

لم يعد بإمكان الغرب أو الشرق غلق الحدود لعزل بلدانهم وحمايتها في مرحلة الجوائح، حيث ظهر كوفيد-19 في الصين لكنه استشرى في معظم دول العالم بما في ذلك أمريكا.[3] اخترق الفيروس الحدود وتخطى المسافات وأظهر عجز الدول الوطنية وكشف محدوديتها وضعفها. لم تعد دول أوروبا –في ضوء الجائحة الحالية– قادرة على  التخطيط لتأمين مصيرها الصحي دون أن تأخذ بعين الاعتبار أوضاع جيرانها في جنوب المتوسط أو في إفريقيا. لأول مرة يصبح مصيرهما مشتركًا، ومستقبلهما الصحي واحدًا،[4] رغم التباين القائم بينهما في الإمكانيات والأحجام والثروات واختلاف الأجندات والحسابات والأولويات، ورغم إصرار الدول الأوروبية على احتكار مصادر قوتها والإبقاء على سياسات الهيمنة والتوسع. فالخطر أصبح متبادلًا.

هذا الوضع الجديد يفترض تعاونًا جديًا وواسعًا بين هذه الدول، وهو ما يقتضي تغييرًا ملموسًا في أسلوب الحوار والتفاوض بين الطرفين حول خطط التعاون والتنسيق لضمان تحقيق انتصار عالمي في هذه الحرب ضد كوفيد-19، وقد يتطور الخطاب نحو استشراف المستقبل وتغيير طبيعة العلاقات بين الطرفين، وإن كان ذلك يفترض توفر شرطين أساسيين: الأول أن يتخلى الغرب عن أنانيته المفرطة ويقبل مبدأ الشراكة، والشرط الثاني يخص ممثلي الجنوب الذين عليهم التخلص من عقدة التبعية، وفرض أنفسهم كشركاء فعليين في صنع السياسات على أكثر من صعيد وفي أكثر من مجال. فتحقيق نتائج إيجابية ودائمة في مجال مقاومة الأوبئة واسعة الانتشار داخل الدول الأوروبية يستوجب أن يصاحبه جهودًا مماثلة في دول الجنوب. هذا التوقع يبقى احتمالًا مستبعدًا في ظل النظام العالمي الحالي القائم على تعميق الاختلال بين الشمال والجنوب، وتكريس سياسة المحور والأطراف في العلاقات الدولية، إضافةً إلى عودة الدولة القومية بقوة داخل أوروبا، حيث تغلبت النزعات المحلية على مشروع الاتحاد الأوربي، خاصةً عندما استشعرت الدول الأعضاء مخاطر كوفيد-19 فأعطت الأولوية لمصالح شعبها على حساب البقية.[5]

اتساع قاعدة الفقراء

التعاون المأمول بين الشمال والجنوب يجب ألا يتوقف عند حدود المجال الصحي، بل يفترض فيه الاتساع ليشمل مجالات أخرى لا تقل أهمية وخطورة. إن تقديرات البنك الدولي مفزعة، إذ يتوقع خبراءه أن جائحة كوفيد–19 «قد تدفع بحوالي تسعة وأربعين مليون شخص إلى هوة الفقر المدقع خلال عام 2020» مؤكدين أن «الفقراء سيكونون عرضة لهزات اجتماعية قوية بسبب الأماكن التي يعيشون فيها، وأيضا بحكم مجال عملهم»، وأن «وقع الآثار الأولية أشد ما يكون على هؤلاء العاملين في قطاع الخدمات غير الرسمي». وقد تجلى ذلك بوضوح في بلدان عربية عديدة من بينها تونس، حيث لا يزال العاملون في السوق الموازية والقطاع غير المنظم يصرون على تعريض أنفسهم للخطر، ويبررون ذلك بافتقارهم للخيارات. كما أشار التقرير إلى أنه «من الراجح أن يظهر العديد من الفقراء الجدد بالمدن، في حين ستشهد المناطق الريفية –التي يغلب عليها الفقر أصلًا– تدهورًا في الظروف المعيشية وتفاقمًا لحالة الفقر».[6] نكتفي في هذا السياق بالإشارة إلى مثال يعكس حجم الأزمة التي يمر بها العالم العربي، ويتعلق بليبيا، التي انهارت كليًا بعد الإطاحة بنظام القذافي، حيث أكد مدير مركز الدراسات الاجتماعية بوزارة الشئون الاجتماعية أن «خمسة وأربعون بالمئة من الأسر الليبية تعيش تحت خط الفقر».[7]

هكذا يتبين أن الفقراء بصدد دفع ثمن قاس بسبب انتشار الأوبئة، حقيقي أن كوفيد-19 لا يميز بين الأشخاص والفئات والمناطق، والدليل على ذلك إصابة العديد من رؤساء الدول الكبرى مثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون و العشرات من كبار السياسيين والأثرياء والفنانين والرياضيين ونجوم المجتمع، لكن مع ذلك هناك عوامل موضوعية من شأنها أن تجعل الفئات الهشة أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، مقارنةً بفئات أخرى تتمتع بظروف اقتصادية أفضل ما يجعلها أكر قدرة على مواجهة الفيروس.

اتفق أهل الاختصاص على القول بأنه حتي يتم التأكد من نجاعة المضادات التي تم اكتشافها للقضاء على كوفيد-19، يجب الاكتفاء بوسائل الوقاية مثل ارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي لدعم قدرات الأفراد على تحصين أجسادهم، خاصةً في حالات الإصابة بالفيروس.[8] في سبيل هذا يمثل المستوى الاجتماعي للفرد دورًا أساسيًا، فالتغذية السليمة،[9] تضمن الحصول على الفيتامينات اللازمة، والبيئة النظيفة، والمساحات الشاسعة تساعد على الالتزام بالتباعد الاجتماعي والتريض، كما أن امتلاك سيارة خاصة ينقذ صاحبه من اكتظاظ وسائل المواصلات، وهو ما من شأنه المساعدة على منع انتشار الفيروس.[10] إلا أن النظرة المتفحصة على أوضاع العالم العربي تكشف ازدياد أعداد الفقراء.[11]

أوضاع النساء في زمن الوباء

النساء في العالم، وخصوصًا العربي، يعشن في أوضاع هشة، ويفتقرن للعديد من حقوقهن الأساسية. وبسبب الجائحة الحالية أصدرت منظمة المرأة العربية بيانًا أوجزت فيه أهم المخاطر والتحديات التي تواجهها المرأة العربية في كثير من الدول. تتطرق البيان للآثار الاقتصادية، حيث اعتبرت المنظمة أن الأزمة من شأنها «إدخال المزيد من الفقيرات إلى سوق العمل غير المنظم نتيجة الصرف من الخدمة الذي يلجأ إليه أرباب العمل؛ جراء الركود، وستزيد نسب النساء المعيلات لأسرهن»، بالإضافة إلى «التأثير السلبي الذي ستخلفه الأزمة على النساء رائدات الأعمال الصغيرة، اللائي يكافحن أصلًا في بيئة تنافسية صعبة ودون وسائل دعم وتمويل كافية. إلى جانب العاملات في السوق غير المنظم». كما ركز بيان المنظمة على أوضاع النساء خلال حالات اللجوء والنزوح في ظل عدم توافر البيئة النظيفة المطلوبة. وهي ظاهرة تفاقمت في العالم العربي، خاصةً بعد الكارثة التي حلت بالشعب السوري.[12]

الوجه الآخر من التداعيات الخطيرة لأزمة كوفيد-19 على النساء تكشفه الظاهرة التي أعلنت عنها وزارة المرأة في تونس، والتي أكدت على أن نسبة العنف المسلط على النساء قد تضاعف سبع مرات خلال فترة الحجر الشامل الذي طبق في البلاد خلال الموجة الأولى من كوفيد-19، وهو ما يعد رقمًا مذهلًا وصادمًا يكشف بوضوح عن صراع صامت داخل عديد الأسر، وتحول المنازل إلى فضاء لممارسة العنف الذكوري على النساء.[13]

فرصة الأنظمة المستبدة

وفر كوفيد-19 فرصة هامة للدولة عمومًا، والدولة المستبدة خصوصًا، كي تستعيد المبادرة، وتحاول إحكام قبضتها على مفاصل السلطة والمجتمع. [14] فالديمقراطية الفعلية تحجم الدولة، وتفرض عليها وسائلًا أخرى غير القمع لتنظيم الشأن العام، وتسحب من أنظمة الحكم فرصة الانفراد بالقرار والتدخل في خصوصيات الأفراد والجماعات، وفرض سياسات دون مناقشتها وتزكيتها من قبل المواطنين. لهذه الأسباب تحديدًا، حاولت أنظمة عديدة –حتى في الدول الديمقراطية– استغلال فرصة انتشار الوباء لتقبض بقوة على سلطة القرار السياسي والاقتصادي وحتى الصحي. وقد وصف البعض هذه المحاولات بـ«صعود دكتاتوريات كوفيد–19» مثلما فعل أنور محاجنة وكريستال ويتستون في مقال نشرته «فورين بوليسي» أكدا فيه أنه «في جميع أنحاء العالم تعمل سلطات الطوارئ على تقويض الديمقراطية، بدعم شعبي أحيانًا». وذكرا أنه قد تم «استخدام الوباء لتبرير سياسات المراقبة وتجاوز الضوابط والتوازنات، والتي قوبل بعضها بالموافقة من الجماهير المحتشدة حول العلم الوطني».

عندما انتشر الوباء، وتأكدت خطورته، انطلقت الحكومات في البحث عن الوسائل الأنجع لمواجهته. كانت الصين البلد الذي ظهر فيها الفيروس، والذي نجحت حكومته المركزية في التغلب عليه ومحاصرته حسبما ادعته أجهزتها ومصادرها الرسمية، وهي الرواية التي يشكك فيها البعض. رغم أن الصين قوة عظمى ناشئة، لكنها لا تزال ترفض التحول إلى دولة ديمقراطية، ومما أضفى على التجربة الصينية أهمية خاصة، كونها استطاعت –بعد مراجعات مؤلمة– بناء رأسمالية دولة بدون تبنى الديمقراطية؛ أي أنها فصلت منظومة الإنتاج للنظام الرأسمالي عن جسمها السياسي على عكس السياق الأوروبي والأمريكي. فبقيت بفضل ذلك دولة قوية مركزية واستبدادية، لا تؤمن بالحريات ولا بحقوق الإنسان، لكنها حققت مع ذلك قفزة اقتصادية بفضل خضوع مئات الملايين لسلطة مركزية قاهرة. وعند انتشار الوباء وانتقاله خارج حدود الصين اتخذت عديد الحكومات إجراءات شبيهة بما قامت به بكين، كان من أهمها فرض الحجر الصحي الشامل، مستعينةً بالشرطة وحتى بالجيوش. واتخذت هذه الحكومات من الصين نموذجًا يقتدى به في غلق مدن كبرى بكاملها، والتحكم كليةً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، دون أن تواجه هذه الحكومات معارضة قوية من قبل السكان باستثناء بعض محاولات التصدي التي قام بها نشطاء في بعض الدول، إلا أن تأثيرها بقي محدودًا.

وقد ساعدت سياسة الحجر الصحي الشامل الحكومات على التحكم في الموجة الأولى من تفشي الجائحة، ولكن الكلفة الاقتصادية لذلك الاختيار كانت كارثية،[15] وهو ما جعل الساسة –مع حلول الموجة الثانية– يبحثون عن منهج آخر غير المنهج الصيني؛ خوفًا من انهيار الاقتصاد، ولجوء السكان إلى التمرد على الحكومات.

لم يكن بمقدور حكومات دول العالم النامي، ومن بينها الدول العربية الصمود طويلًا. إذ شعرت الدول الرأسمالية القوية بخطورة الأزمة الاقتصادية العنيفة والفجائية التي تسببت فيها الجائحة، فما بالك بالدول الضعيفة ذات الدخل المحدود والثروات القليلة. لكن مع ذلك حاولت العديد من الأنظمة، ولا تزال، الاستفادة من الجائحة، من خلال محاولة الحد من الحريات الفردية والجماعية، والتضييق المتزايد على الخصوم السياسيين والمثقفين الديمقراطيين، والاستعانة بالجيش والشرطة لتطبيق قرارات منع التجوال، ومنع الاجتماعات السياسية وغيرها، فضلًا عن التحكم في وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، إلى جانب وضع مزيد من القيود على منظمات المجتمع المدني، وتأجيل النظر في اتخاذ إجراءات داعمة للحريات الديمقراطية بحجة الانشغال بمواجهة الجائحة. كما استفادت العديد من الحكومات من قرارات منع التجوال؛ لمراقبة المعارضين لها وتشديد الحصار عليهم.[16] وقد اتخذت هذه القرارات ونفذت دون اعتراض من قبل النشطاء السياسيين وقوى المجتمع المدني؛ بسبب وجود سبب قوي، فالخوف من تداعيات كوفيد–19 دفع الجزائيين لوقف حراكهم الشعبي المتواصل لسنة كاملة قبلما يحقق جميع أهدافه، وفي طليعتها القطع مع النظام القديم، وإبعاد الجيش عن السياسة. إلا أن ذلك لا يعني فشل الحركة الاحتجاجية التي أطلقوها، على العكس من ذلك أثرت تلك الحركة بقوة، وغيرت المشهد السياسي، حيث أجبرت الرئيس بوتفليقة على الاستقالة والانسحاب من الحياة السياسية، وزجت بالعشرات من كبار المسئولين السابقين في السجون، وفرضت حدًا أدنى من الحريات، لكن الجائحة أجهضت استمرار هذا الحراك. تكرر الأمر ذاته في لبنان، حيث تسبب كوفيد–19 في توقف الحركة الاحتجاجية العارمة التي اندلعت في معظم مناطق لبنان، واستمرت لأشهر عديدة، لكن تخوف الثوار من انتشار العدوى، بالإضافة لتراجع قوة تلك الحركة لأسباب متعددة، جعلهم يتوقفون عن النزول إلى الشوارع،  ما مكن السلطة التنفيذية من استعادة سيطرتها على الفضاء العام.

خطاب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يعود بقوة

حقوق الإنسان منظومة واحدة غير قابلة للتجزئة، ولا يمكن التضحية بجزء منها مقابل حقوق أخرى. ورغم أن العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قد صدرا عن الأمم المتحدة في العام نفسه، إلا أن النضال في سبيل إقرار كل واحد منهما واستحضار خصوصياته والحاجة إليه قد اختلفت سياقاته، وتعددت خلفيات الحكومات التي دعت إليه وتمسكت به.

النخب الواعية في الدول العربية منحت الأولوية لتوسيع الحريات وتثبيت الحقوق السياسية، إذ طالبت بحقوق الإنسان، خاصةً حرية التعبير والمعتقد وحرية التجمع والتظاهر وتأسيس الجمعيات والأحزاب؛ باعتبار ذلك مقدمة ضرورية لبناء أنظمة الديمقراطية. وقد تطلب ذلك –ولا يزال– جهودًا كبيرة وتضحيات واسعة ووقتًا طويلًا. في المقابل سعت بعض الأنظمة –تحت شعار الدولة الحامية– نحو تضييق الخناق على النشطاء والقوى الديمقراطية، مهمشة مطالبهم، مدعيةً أن الحقوق الأساسية هي حق المواطن في الغذاء والعمل والتعليم والصحة. وكانت تظهر ما حققته في هذه المجالات من إنجازات حتى تؤكد على كونها في موقع قيادي، وأنها وحدها التي تقدم خدمات حقيقية للمواطنين.

اليوم، وفي ظل كوفيد-19 وجدت معظم الشعوب العربية نفسها تفتقر لمعظم هذه الحقوق، سواء السياسية منها أو الاقتصادية والاجتماعية. من جهة بقيت استجابة الأنظمة الحاكمة لمطالب النخب الديمقراطية محدودة، ومن جهة أخرى نفذت هذه الأنظمة سياسات واختيارات اقتصادية غير ناجعة بعد أن تخلت تدريجيًا عن شعاراتها السابقة، ما ساعد على توسيع الفوارق بين الفئات، وحرمان الملايين من الحقوق الأساسية، وهو ما ساهم في تراجع مناعة الأفراد والشعوب في عهد الجائحة الجديدة وجعلها كذلك أكثر تهديدًا وهشاشة. فاللجوء إلى الاحتماء بالدولة، باعتبارها الملجأ الشرعي، وضعها في مأزق؛ إذ وجدت نفسها عاجزة عن الوفاء بالتزاماتها التي من أجلها نشأت وتأسست. فالأزمة التي تمر بها حاليًا «دولة الاستبداد» في ظل انتشار كوفيد–19 هي أزمة مضاعفة ومتعددة المظاهر والأبعاد، إذ كلما حاولت هذه الأنظمة المتهالكة استثمار الأزمة الصحية الشاملة والخانقة لترسيخ حكمها وتأبيده، وجدت نفسها مرتبكة وغير قادرة على حماية مواطنيها وتقليص الخسائر في صفوفهم، وبالتالي تزداد أزمة الشرعية لدى هذه الأنظمة بسبب تآكلها الذاتي، وضعف إمكانياتها المالية.

رغم ذلك، أتاحت الأزمة الحالية فرصة لإثراء النقاش من جديد حول العلاقة بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية­، ما قد يساعد على تصحيح الخطأ السابق، الذي تمثل في إعطاء الأولوية للبعد السياسي على البعد الاجتماعي، لأن الحقوق لا تتجزأ، ولأن التمتع بالحريات في ظل الفقر والبطالة والمرض والتفاوت الاجتماعي الواسع بين الأفراد والفئات من شأنه تفريغ هذه الحريات من معناها ومضمونها، وهو ما يحتم على نشطاء حقوق الإنسان الاهتمام –أكثر من أي وقت مضى– بمسألة السياسات والاختيارات الكبرى التي تعالج أسباب الفقر والحرمان وتضع آليات مقاومته وفق مقاييس علمية تقترب من العدالة الاجتماعية الفعلية. على النشطاء أيضًا الانخراط بشكل قوي مع النقابات والحركات الاجتماعية بهدف تحسين أوضاع الصحة، ومقاومة غلاء الأدوية واحتكارها، وإصلاح منظومات الضمان الاجتماعي، والتصدي بجدية لانقسام القطاع الصحي إلى مستويين قطاع صحي للفقراء وآخر للأغنياء. لا يعني ذلك إلغاء القطاع الخاص في المجال الصحي، وإنما وجوب النهوض بأوضاع وخدمات المستشفيات العمومية وتمويلها بشكل جيد من أجل توفير الخدمات الأساسية للجميع.

لا تنازل عن الحقوق المدنية والسياسية

لا تبدو الدول والحكومات على استعداد للتفاعل –ولو نسبيًا– مع مطالب النشطاء ودعاة الديمقراطية، في ظل تلك الأوضاع الوبائية الصعبة، خاصة تلك المعروفة بنزوعها الاستبدادي. ورغم ضعف وهشاشة أغلب الدول العربية، إلا أن جائحة كوفيد–19 وضعتها في مأزق غير مسبوق، اتضحت أبعاده في الاضطراب وطغيان الارتجال في قراراتها. وفي عديد الحالات ترتكب هذه الحكومات أخطاء من شأنها إثارة غضب فئات وشرائح لم تكن منخرطة من قبل في أي مبادرة لها علاقة بالحريات وحقوق الإنسان. كما أن هذه الحكومات وجدت نفسها غير قادرة –بمفردها– على القيام بمختلف واجباتها تجاه مواطنيها، ما دفعها للاستعانة بالمجتمع المدني، وبالتالي تقديم تنازلات ولو جزئية للنخب والنشطاء. فعلى سبيل المثال فرض انتشار الوباء الاستماع إلى رأي الأطباء، وتمكينهم من المشاركة بفعالية في قيادة الحرب على كورونا، بحكم درايتهم بهذه الجائحة، مثلما حدث في تونس حيث تم السماح لممثليهم في الهيئة العلمية بالمشاركة في اجتماعات اللجنة العليا للأمن القومي، والتي جمعت كبار المسئولين في الدولة إلى جانب كوادر أمنية وعسكرية. وبينما اختلفت أوضاع الأطباء العرب عن الحالة التونسية، إلا أن دورهم في هذه المرحلة كان أساسيًا، وفي كثير من الأحيان أخذت الحكومات ومؤسسات الدولة بتوصيات الكوادر الصحية لضمان تحقيق المصلحة العامة. ويعد ذلك في حد ذاته مكسبًا يبرز أهمية ترسيخ مبدأ المشاركة في صناعة القرار والسياسات العامة. كما أن المجتمعات التي توفرت فيها بعض المؤسسات الرقابية ساعدت هذه الأخيرة على حماية الحقوق الأساسية، وحالت دون حدوث انتكاسة في مسار الانتقال الديمقراطي. في هذا السياق، طالبت منظمات عدة، من بينها منظمات عربية، صندوق النقد الدولي بضرورة وضع شروط عند تقديم مساعدات مالية للحكومات؛ ضمانًا للشفافية وحسن التصرف في الأموال المقدمة، إذ طالبت الصندوق أن يشترط «على الحكومات الالتزام باحترام حقوق مجموعات المجتمع المدني وإبطال أو تعديل القوانين التي تمنع هذه المجموعات من المراقبة الآمنة لأفعال الحكومة».[17]

في تونس على سبيل المثال، ثار جدل واسع حينما طالبت حكومة الفخفاخ –قبل سقوطها– السماح لها بإصدار مراسيم استثنائية تتيح له اتخاذ إجراءات سريعة في مجالات حيوية وذات أولوية مثل المجال الاجتماعي والاقتصادي والصحي وبالخصوص الأمني؛ لمواجهة خطر الوباء، دون المرور على البرلمان تجنبا لبطء العملية التشريعية. ونظرًا لخطورة الأوضاع اجتمع مجلس النواب وقرر السماح له بذلك، وإن قيده بضوابط عديدة من بينها تحديد مدة استعمال قانون التفويض بما لا يتجاوز الشهرين؛ خوفًا من أن يؤدي القانون الجديد إلى «توسع سلطات الجهاز التنفيذي على حساب سلطة البرلمان الرقابية والتشريعية، وأن يمتد هذا التوسع والتغول إلى ما بعد فترة الشهرين التي حددها القانون». واعتبرت المعارضة أن هذا القانون بإمكانه الإطاحة بمبدأ «فصل السلطات»، وفتح المجال للنيل من الحريات والحقوق خلال فترات الحجر الصحي.

في سياق التضييق على الصحافة والصحافيين،[18] رفضت مفوضية حقوق الإنسان أن تتخذ الحكومات الوضع الوبائي «ذريعة لتقييد الحصول على المعلومات، والحد من حرية التعبير والحق في الانتقاد»، كما أوضحت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت أن المحافظة على تدفق المعلومات مسألة حيوية في الجهود المبذولة لمحاربة الوباء، مؤكدة أن مواقف وتصريحات بعض المسئولين السياسيين عبر العالم «خلقت بيئة معادية لسلامة الصحافيين، وأثرت على قدراتهم على القيام بعملهم».[19]

الحركة الحقوقية العربية أمام مرحلة صعبة

الحركة الحقوقية العربية اليوم في منعرج جديد بسبب التحولات الجارية عالميًا ومحليًا، وهو ما يفرض عليها إعادة ترتيب أولوياتها وتعديل مناهج عملها وتغيير خططها. فالحق في الحياة له أولوية قصوى في ظل الجائحة الحالية، ولا يمكن ضمان ذلك سوى من خلال النظر في قطاع الصحة المنهار في عدد كبير من الدول العربية؛ نتيجة إهمال هذا القطاع لسنوات طويلة، وعدم العناية به وإصلاح مؤسساته. إن الحالة الصحية المتدهورة في الدول العربية أضحت من أولويات المنظمات الحقوقية، حيث اكتسب الحق في الصحة أهمية قصوى، خاصةً في المجتمعات العربية التي تفتقر للحد الأدنى من الحماية، وأصبح الحديث اليوم يتركز على «الأمن البيولوجي». ما يحدث في اليمن على سبيل المثال ينذر بكارثة مفزعة وخطيرة؛ فالمشاهد القادمة من هناك توحي بأن هذا البلد العربي قد عاد من جديد إلى أجواء شبيهة بما كانت عليه الأوضاع في القرن التاسع عشر، إذ ألحقت الحرب أضرارًا واسعة بالبنية التحتية لقطاع الصحة، ولولا استمرار بعض المستشفيات في استقبال المرضى، وتوقف العمليات العسكرية من قبل السعودية كانت النتائج لتصبح أكثر مأساوية. في مثل هذه الأجواء كيف يمكن للحركة الحقوقية تأدية دورها، وحماية الحد الأدنى من ضحايا الحرب والجوع والانهيار الصحي الكامل، بينما هي محاصرة بالفوضى والوباء في ظل انهيار الدولة، إن منظمات المجتمع عمومًا، والمنظمات الحقوقية خصوصًا، تتحرك في مناخ صعب وقاتل.

تواجه منظمات حقوق الإنسان في العالم، وبالأخص في الدول العربية، تحديات جمة، يأتي في مقدمتها التحدي المالي، إذ قلصت جائحة كوفيد–19 من ميزانيات المؤسسات المانحة، أو دفعتها إلى تغيير أولوياتها وأهدافها نحو دعم المشاريع الخاصة بمكافحة الجائحة، على حساب بقية الاهتمامات الحيوية التي شغلت اهتمام النشطاء طيلة المرحلة السابقة. فرض هذا الأمر على بعض المنظمات مراجعة أجندتها؛ من أجل البقاء والاستمرار، بينما اضطرت منظمات أخرى للتوقف في انتظار الحصول على بعض الدعم لمواصلة نشاطها، ولم يسلم من تداعيات هذه الأزمة سوى المنظمات ذات التمويل الذاتي، أو تلك التي تمكنت من استثمار مخزون مالي لها ونجحت في حسن توزيعه وفق حاجاتها الضرورية. من ضمن التحديات أيضًا تزايد استهداف السلطات للمنظمات بشكل يومي العديد من الدول، وهو ما لا يعد جديدًا، وإن ازداد كثافةً وتوسعًا في مرحلة الجائحة؛ فاستغلال بعض الحكومات الظروف الصحية الخطيرة لمضايقة النشطاء والمعارضين، جعل من إمكانية حمايتهم ودعمهم أمرًا صعبًا في ظل انشغال الرأي العام بتداعيات انتشار الوباء واهتزاز الاقتصاد.

الهجرة غير النظامية، والمعروفة بالهجرة السرية، من أهم الملفات الكاشفة عن عجز الدولة الوطنية وعدم قدرتها على وضع حد لمعاناة شعوبها، فعلى الرغم من تزايد انتشار كوفيد-19 في مختلف دول ضفتي المتوسط، ورغم محاولات السلطات الإيطالية والإسبانية التصدي لمنع هؤلاء «الحارقين»[20] من الوصول لسواحلهم، إلا أن ذلك لم يضع حدًا للنسق التصاعدي لموجات الهجرة غير النظامية[21] التي يقدم عليها الشباب من معظم البلاد العربية والإفريقية، خاصةً تونس والجزائر والمغرب. ما يعد لافتًا للنظر هنا هو تزايد معدلات هجرة العائلات كاملة، أو النساء المصاحبات لأطفالهن،[22] وهو ما يعرضهم –في كثير من الأحيان– للموت الجماعي في أعماق البحر. ولا تزال دول حوض المتوسط عاجزة عن وضع سياسات جديدة قادرة على امتصاص هذه الأزمة الإنسانية القاسية، أو على الأقل التخفيف من حدتها.

قبل حلول الجائحة، احتل الدفاع عن المساجين السياسيين أولوية المنظمات الحقوقية، لكنه اليوم وبعد انتشار الجائحة صار أكثر إلحاحًا. فغالبية المساجين مهددين بالعدوى، وتجب حمايتهم بغض النظر عن طبيعة الجرائم التي ارتكبوها. إلا أن معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين لهم خصوصية تتمثل في كونهم أفرادًا تم اعتقالهم تعسفًا، ووضعوا في المعتقلات بسبب آرائهم ومعارضتهم لحكوماتهم، ولمجرد اختلافهم معها حول كيفية إدارة شئون البلاد، ما فتم التنكيل بهم، وحرمانهم من حرياتهم؛ انتقامًا منهم لمجرد تجرؤهم على مخالفة حكامهم. وهو ما حدا بمفوضية حقوق الإنسان، في مارس 2020، للإعراب عن «قلقها البالغ إزاء اكتظاظ السجون حيث يقبع الكثيرون في ظروف غير نظيفة وغير صحية، الأمر الذي قد يكون سببًا في زيادة انتشار فيروس كورونا، ودعت إلى إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من السجناء كإجراء حاسم للحدّ من تفشي جائحة كوفيد-19».[23] وعلى الرغم من الأوضاع الحرجة في بعض السجون التي أشارت إليها منظمات حقوق الإنسان، فإن بعض الحكومات العربية والإسلامية امتثلت لقلق المفوضية، وأطلقت سراح أعداد من السجناء، بينما استثنت من بينهم المحاكمين في قضايا سياسية. يزخر العالم العربي بالسجون التي لا تتوافر بها المعايير الدولية مثل الكاظمية في العراق، وطره في مصر، وجو في البحرين، وبرج الرومي في تونس، ورومية في لبنان، والقنيطرة في المغرب، وتدمر في سوريا.[24]

البيئة مهددة ومستقبل الإنسان في خطر

لم يعد بإمكان الحركات الحقوقية تجاهل الأزمة البيئية العميقة واعتبارها مسألة ثانوية، خاصةً بعد تحول جائحة كوفيد-19 لتهديد عالمي. فحكومات الكرة الأرضية اضطرت لاتخاذ قرار –هو الأول من نوعه– عندما وضعت شعوبًا بأكملها قيد الحجر الصحي، وهو ما كان بمثابة فرصة للأرض لكي تتنفس قليلًا منذ انطلاق الثورة الصناعية التي وضعت حدًا للمرحلة الإقطاعية، وجعلت من الآلة –ومن التكنولوجية عمومًا– سلاحًا قويًا من أجل إعادة هيكلة العالم. هكذا شن البشر حربًا ضروسًا ضد الطبيعة، استنفد ثرواتها، وعدل خرائطها، وقضى على المئات من كائناتها، ولوث فضاءاتها ومساحاتها الحيوية. وبرغم أن الرأسمالية العالمية والمحلية مارست ضغوطًا كبرى من أجل منع الاستمرار في سياسة الحجر الصحي الشامل، حيث أعطت الأولوية للمصالح الاقتصادية في مقابل الاعتبارات الصحية والإنسانية، فعادت بذلك ماكينة الإنتاج الصناعي لمواصلة تدميرها للطبيعة؛ إلا أن تلك الوقفة الاستثنائية والنادرة مثلت فرصة للوعي بخطورة الاستمرار في استنزاف الثروات الطبيعية وتلويث الكون بذلك الحجم الضخم من النفايات. العديد من دول العالم تبذل جهودًا حثيثة للوصول إلى طاقات بديلة غير ملوثة للكون، إلا أن الولايات المتحدة وحلفائها يقودون معركة مضادة للدفاع عن التيار القائم على منطق الربح أولًا.

اليوم، لم يعد بمقدور الحركة الحقوقية العربية أن تسقط من حساباتها ضرورة متابعة ما يدور من جدل عالمي حول آفاق البحث العلمي؛ نظرًا لارتباط نتائجه بوجود الإنسان وبحقوق الإنسان، فلسفيًا وطبيًا واقتصاديًا. منذ ظهور كوفيد-19، كثر الحديث حول  ما يسمى «بالحرب البيولوجية»، وهو ما يجعلها أحد أهم التحديات الكبرى المطروحة على الفكر الحقوقي، فالتجارب التي تقوم بها مختبرات عدة في العالم تكشف القدرة الفتاكة التي هي بصدد الاختبار، والتي من شأنها تعريض الحياة البشرية –فضلًا عن أجهزة المناعة البشرية– إلى مخاطر جسيمة. إن متهمي الدوائر الصينية بالوقوف خلف اختراع فيروس كورونا، رغم عدم تقديمهم أدلة قاطعة على ادعاءاتهم، إنما يستندون على أدوات تلك «الحرب»التي يستعدون لمواجهتها. كما أن السباق المحموم الجاري حاليًا بين الدول الكبرى المحتكرة للعلوم الطبية؛ من أجل التوصل إلى لقاح سريع قادر على وضع حد للانتشار الحالي للجائحة، لا تحكمه فقط الاعتبارات الإنسانية، وإنما تقف وراءه حكومات ومصالح كبرى، وترصد له أموالًا ضخمة؛ لتحقق من وراء ذلك أهداف استراتيجية متعددة.
الوجه الآخر لهذا السباق يتمثل في الحملة التي يقوم بها بعض الأطباء والخبراء لمناهضة اللقاحات ضد كوفيد-19، الجاري إعدادها في هذه الفترة. وحجتهم في ذلك أنها قد تؤثر على الجينات. من بين هؤلاء طبيبة العظام كاري ماديج التي اعتبرت أن «اللقاحات المضادة لكوفيد -19 صُممت لتجعلنا كائنات حية معدلة وراثيًا». ورغم الاعتراض على مثل هذه الادعاءات،[25] إلا أن الجدل لا يزال مستمرًا، وفي بدايته، إذ يحتاج إلى إثبات الفرضيات التي يطرحها هؤلاء العلماء، ولكنه يعكس جزءً من المخاوف التي يرددها بعض أهل الاختصاص،[26] لقد أصبح مستقبل العالم محفوفًا بالمخاطر، ولا تستطيع حركة حقوق الإنسان تجاهل أي قضية تمس وجود الإنسان وتهدد استمراريته؛ فالبحث العلمي مصدر هام من مصادر الفكر الحقوقي، أو هكذا يجب أن يكون.
تواجه حركة حقوق الإنسان العربية والعالمية منعرجًا خطير بسبب الاضطراب الشديد الناتج عن انتشار جائحة كوفيد-19، والذي أثر على الأوضاع الصحية لغالبية سكان الأرض من جهة، فضلًا عن تسببه في ركود الاقتصاد العالمي والقطري من جهة أخرى. لقد تم التوقف في هذا المقال عند التداعيات الخطيرة للجائحة على الفقراء والنساء من جهة، وعلى البنية السياسية للمجتمعات العربية التي لا تزال خاضعة لأنظمة مستبدة تحتكر السلطة والثروة، وتحاول الالتفاف على المكاسب الصغيرة التي تحققت في مجال الحريات وحقوق الإنسان من جهة أخرى. كما تم إبراز التحديات المتعددة التي تواجهها الحركة الحقوقية العربية والعالمية في ضوء المتغيرات الجارية سواء بسبب كوفيد-19 أو غيره، وما ترتب عن ذلك من مهام وقضايا لابد من الاهتمام بها ومتابعتها.

[1] مركز الجزيرة للدراسات (2020) «ما بعد وباء كوفيد 19: أي عالم يمكن توقعه؟»، 13 أبريل، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، ورد في الدراسة أنه «خلال أشهر الأزمة القاسية، وضعت الشعوب ثقتها في الدولة لحمايتها من الخطر الداهم»، وأكدت على أن «مؤسسة الدولة تخرج من فترات الأزمة أكثر قوة وقدرة على السيطرة والتحكم؛ ويزداد، بالتالي، اعتماد الشعب عليها وتطلعه لقدراتها الحمائية في فترة التأزم والحرب والتهديد المقبلة»، https://studies.aljazeera.net/ar/article/4644
[2] Smtcenter (2020) أنظر «كورونا و«عولمة الفيروسات»، عن الأمراض المعدية وتداعياتها»، 18 مارس، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020،
ذكر البحث أن «الانتقال المرعب والمذهل للفيروسات بسبب حركة السفر والتنقل الميسر جعل واقع «عولمة الفيروسات» مسألة حقيقية، انتقلت من دفات روايات الخيال العلمي إلى الواقع المعيش اليوم، إذ لم تعد الفيروسات معزولة جغرافيًا» للمزيد https://smtcenter.net/?p=15505
[3] اليوم السابع (2020)، تعرف على ترتيب الدول في قائمة إصابات كورونا.. أمريكا الأولى ومصر في المرتبة السادسة والأربعين عالميًا، 27أكتوبر، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، cleanuri.com/vmw6Aw
[4] غوتيريش، أنطونيو الأمين العام للأمم المتحدة(2020)، «فضيلتي تعددية الأطراف والدبلوماسية» ، 24 إبريل، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020،
أكد الأمين العام أن جائحة كوفيد–19 بمثابة «تذكرة مأساوية بمدى ارتباطنا العميق، وأن الفيروس لا يعرف حدودًا، ويمثل في جوهره تحديًا عالميًا، وعلينا العمل كأسرة إنسانية واحدة… وأن نستخلص من هذه التجربة الدروس المناسبة بأوجه الضعف وعدم المساواة التي كشف عنها الفيروس»، https://www.un.org/ar/observances/Multilateralism-for-Peace-day
[5] حسن، عماد (2020)، «هل يفكك فيروس كورونا الاتحاد الأوروبي ويقضي على حلم الوحدة العربية؟»، 27 مارس، موقع إذاعة صوت ألمانيا دويتشه فيله ، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020،  cleanuri.com/pzX1Zl
[6] سانشيز بارامو، كارولينا (2020)، «الفقراء هم الأكثر تضررًا من فيروس كورونا، فماذا نحن فاعلون»، 23 إبريل، مدونات البنك الدولي، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، https://blogs.worldbank.org/ar/voices/covid-19-will-hit-poor-hardest-heres-what-we-can-do-about-it
[7] الخميسي، أحمد (2019)، «الطبقة الوسطى تتلاشى.. 45% من الأسر الليبية تعيش تحت خط الفقر»، 9 مارس، بوابة الوسط، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، http://alwasat.ly/news/libya/238164
[8] لا تزال منظمة الصحة العالمية توصي بوسائل الوقاية، ومواصلة الاعتماد عليها حتى بعد استعمال اللقاح، لمزيد من التفاصيل راجع الموقع الرسمي لمنظمة الصحة العالمية، www.who.int
[9] شنسس، خديجة (2020)، «تقوية المناعة أول سلاح لمواجهة الوباء» 7 إبريل، وكالة أنباء الأناضول، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، cleanuri.com/JYrA3Y
[10] الشروط الواردة في موقع منظمة الصحة العالمية غير قابلة للتطبيق في وسائل النقل العامة بالعالم العربي، للاطلاع على الشروط،  Annonce·www.who.int
[11] مجدي، كريم(2018)، «الفقر في العالم العربي.. أرقام صادمة»، 16 ديسمبر، موقع الحرة، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، حسب تقرير أصدره البنك الدولي «يُلاحَظ أنه في اليمن، يصل عدد السكان الواقعين تحت خط الفقر إلى 12.8 مليون بنسبة تصل إلى 48.6 في المئة من إجمالي عدد السكان، أما في غزة والضفة، تصل نسبة الفقر إلى 29.2 في المئة. وفي مصر، يصل عدد السكان القابعين تحت خط الفقر المحلي إلى 26.1 مليون، بنسبة مئوية تصل إلى 27.8، وفي العراق، تصل النسبة إلى 18.9 في المئة. أما في تونس فهي في حدود 15.2 في المئة، وفي الأردن، تصل إلى 14.4 في المئة. وأخيرًا في المغرب، تصل النسبة إلى 4.8 في المئة»، cleanuri.com/bb0W3n
[12] منظمة المرأة العربية، بيان بشأن أزمة فيروس كورونا، http://arabwomenorg.org/Landing.aspx?ID=36
[13] بورسعيدي، نزيهة (2020)، «تضاعف 7 مرات بسبب الكورونا…إنهاء العنف ضد المرأة أولوية قصوى»، 22 إبريل، صحيفة الشروق التونسية، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر2020، http://www.alchourouk.com/node/107850
 [14] محاجنة، أنور وويتستون، كريستال(2020) «صعود دكتاتوريات «كوفيد»»، 19 أكتوبر، صحيفة الغد الأردنية مترجم عن فورين بوليسي، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، cleanuri.com/QvbmQO
[15] غوبينات، غيتا (2020)، «الحد من التداعيات الاقتصادية لفيروس كورونا بوضع سياسات موجهة كبيرة»، 10مارس، مدونات صندوق النقد الدولي، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، cleanuri.com/EP2mQ5
[16] حسين، محيي الدين (2020)، «دول عربية تستغل أزمة كورونا لقمع الحريات»، 25 يونيه، موقع إذاعة ألمانيا دويتشه فيله، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، تم الإشارة في المقال لتأكيد مفوضة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة على استخدام بعض الحكومات لقوانين الطوارئ التي فُرضت بسبب أزمة كورونا «لسحق المعارضة والسيطرة على الناس ولإطالة فترة بقائها في السلطة»، https://p.dw.com/p/3eKVx
[17] هيومان رايتس ووتش (2020)، «النقد الدولي: مكِّنوا المجتمع المدني من مكافحة الفساد في أزمة «كورونا»»، 4 مايو، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، https://www.hrw.org/ar/news/2020/05/04/341553
[18] حسين، محيي الدين (2020)، «دول عربية تستغل أزمة كورونا لقمع الحريات»، مرجع سابق.
[19] المحافظ، جمال (2020)، «في اليوم العالمي لحرية الصحافة: كورونا وقانون شبكات التواصل يمسان بحرية التعبير ويهددان الإعلام المغربي»، 3 مايو، صحيفة القدس العربي، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، ذكر المقال أن «المعهد الدولي للصحافة رصد 130 انتهاكًا مزعومًا في حق وسائل الإعلام منذ بداية تفشي فيروس كوفيد 19، واعتقال نحو 40 صحافيًا، بسبب نشر تقارير تنتقد تدابير مكافحة كورونا، فضلًا عن فرض أكثر من 50 حالة قيود فرضت على الحصول على المعلومات، مع تسجيل ارتفاع في الرقابة والأخبار الزائفة»، cleanuri.com/4E1pwO، أنظر أيضًا خلف، محمد (2020)، «الصحافة المستقلة وحرية التعبير أول ضحايا كورونا»، 13 مايو، موقع درج.كوم، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، ذكر المقال أن المنظمة العالمية للصحف وناشري الأنباء تؤكد أن «الجائحة وضعت الصحافة المستقلة في الخط الأول من جبهة مكافحتها، بتقديمها المعلومات الخاضعة للدقيق، والأخبار المؤكدة التي تنقذ الحياة الإنسانية، بخاصة في البلدان التي تتلكأ أو تتأخر سلطاتها في اتخاذ الإجراءات في الوقت المناسب»، مضيفةً أن «الصحافة المستقلة ذات أهمية حيوية للجميع ولكل فرد، بغض النظر عما إذا كان العالم يواجه الأزمات والكوارث العامة.. لأن دورها يتركز في الدفاع عن المصالح الاجتماعية، إدراكنا لماهية القرارات التي نتخذها حيال من نواجه من أحداث وتطورات مختلفة»، https://daraj.com/46458/
[20] تعبير تونسي يقصد به المهاجرين غير الشرعيين، الذين ما أن يصلوا إلى السواحل الإيطالية حتى يقوموا بإحراق هوياتهم الشخصية.
[21] «كورونا يوسع دائرة الحالمين بالهجرة من المغرب العربي» صحيفة العرب، 16 أكتوبر 2020، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، cleanuri.com/EP2Adb
[22] عرقوبي، أنيس (2020)، ««الحرقة» ملاذًا لعائلات تونسية أرهقها الركود والأزمة السياسية» نون بوست، 24 يوليو، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، https://www.noonpost.com/content/37775
[23] بيان المفوضة السامية لحقوق الإنسان، (2020) «مفوضية حقوق الإنسان لرؤساء حكومات العالم: لا تنسوا القابعين خلف القضبان خلال جهود التصدي لفيروس كورونا»، 25 مارس، أخبار الأمم المتحدة، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، جاء في البيان «على الحكومات إطلاق سراح كل شخص ليس موقوفًا على أسس قانونية، ومن ضمنهم السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي. وبعد إطلاق سراحهم، ينبغي أن يخضعوا إلى الفحوصات والإجراءات الطبية اللازمة، للتحقق من خلوهم من الأمراض وتقديم الرعاية اللازمة للمحتاجين إليها ومتابعة أوضاعهم الصحية»، https://news.un.org/ar/story/2020/03/1052032
[24] (2016)، «أسوأ السجون في العالم العربي سمعة»، 21 أغسطس، موقع رصيف 22، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، https://raseef22.net/article/1504-prisons-with-the-worst-reputation-in-the-arab-world
[25] كوودمان، جاك وفلورا كارميشيل (2020)، «فيروس كورونا: مزاعم وأكاذيب حول الآثار الجانبية للقاحات المرتقبة»، 27 يوليو، موقع بي بي سي، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، https://www.bbc.com/arabic/science-and-tech-53545086
[26] (2020)، «سعى لمنعه وحذر من مضاعفات محتملة.. استقالة كبير أطباء الصدرية في روسيا بسبب مخاطر لقاح كورونا»، 14 أغسطس، موقع الجزيرة، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2020، cleanuri.com/jVDXBb

Read this post in: English

Exit mobile version