دراسات

بناء الجماعة القومية من خلال رهاب المثلية الجنسية بين العامة: تحليل خطاب التغطية الإعلامية المصرية «لقضية علم قوس قزح» عام 2017

حمل هذا المقال كبي دي إف

الإشارة المرجعية: أميلينج، ريكاردا (2022). بناء الجماعة القومية من خلال رهاب المثلية الجنسية بين العامة: تحليل خطاب التغطية الإعلامية المصرية «لقضية علم قوس قزح» عام 2017. رواق عربي، 27 (1)، 21-36. https://doi.org/10.53833/TKKK8577

خلاصة

منذ انطلاق شرارة الثورة في عام 2011، وإعادة تشكيل الحكم الاستبدادي العسكري في عهد عبد الفتاح السيسي في عام 2013، هز مصر عدد من حالات الهلع الأخلاقي، وترافق معها ممارسات لمراقبة الأجساد والجنسانية والهويات الجنسية من أجل إحكام السيطرة عليها.وكانت القضية التي عُرفت باسم «قضية علم قوس قزح» مثالًا لافتًا على هذه الرقابة؛ فبعدما لوّحت مجموعة من الشباب بعلم قوس قزح خلال حفل غنائي في القاهرة في عام 2017، قادت وسائل الإعلام الخاضعة لسيطرة الدولة حملة شعواء على المثلية الجنسية، حيث شكلت جانبًا من حملة واسعة شنّتها الدولة لقمع مجتمع الميم-عين (المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والعابرات والعابرين والكوير وغيرهم من أصحاب الهويات غير المعيارية). وعلى هدي من الأبحاث النسوية السابقة بشأن القومية  المجندرة، توظف هذه الورقة منهجية تحليل الخطاب لدراسة تغطية وسائل الإعلام التي تسيطر الدولة عليها بعد تلك الحادثة؛ للوقوف على تصانيف الخطاب الذي يشكّل مجتمع الميم-عين، وخاصة مثليّي الجنس، باعتبارهم «آخرين» في أوساط الأمة المصرية. ويتبين بوضوح أن النظام – الذي يحتاج لإعادة إرساء دعائم حكمه الاستبدادي وشد أزره – يعمل على ترويج قومية قائمة على النوع الاجتماعي تضفي صفة شرعية على نفسه؛ إذ يؤسس سلطته من خلال إعادة هيمنة الهويات الغيرية المطبعة اجتماعيا. كما يهدف هذا القمع والاضطهاد والخطاب لاستعادة النظام الأبوي بعد ثورة عام 2011.

مقدمة

إننا فخورات بحمل العلم. ولم يكن لنا أن نتخيل ردة فعل المجتمع والدولة المصرية. فبالنسبة لهم، كنت مجرمة – امرأة كانت تسعى إلى نسف أركان البناء الأخلاقي الذي يقوم المجتمع عليه.[1]

هذا ما ورد على لسان سارة حجازي في مقابلة أُجريت معها بعد سنة مما يُسمى بــ «قضية علم قوس قزح». وتوفيت حجازي، التي كانت ناشطة مصرية في مجتمع الميم – عين (المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي والعابرات والعابرين والكوير وغيرهم من أصحاب الهويات غير النمطية)،[2] وواحدة من الأعضاء المؤسسين لحزب العيش والحرية الاشتراكي، بعدما أقدمت على الانتحار في الثالث عشر من يونيو عام 2020 أثناء إقامتها بمنفاها في كندا. ونالت حجازي سمعة سيئة بعدما احتجزتها السلطات المصرية على خلفية تلويحها بعلم قوس قزح خلال حفل موسيقي أحيته فرقة مشروع ليلى اللبنانية المشهورة في القاهرة في الثاني والعشرين من سبتمبر عام 2017. وكان الحضور في هذا الحفل الموسيقي يضمون في معظمهم شبابًا ينحدرون في خلفياتهم من الطبقتين المتوسطة والعليا. وبما أن المغني الرئيس في فرقة مشروع ليلى كان يجاهر بمثليته الجنسية ، ويدافع عن حقوق مجتمع الميم-عين، فقد كان ما أقدمت عليه حجازي وآخرون من عرض لرمز من رموز تنوع الهويات الجنسية والجندرية يتناسب مع السياق الذي أقيمَ فيه حفل الفرقة.

وتمثلت ردة فعل الحكومة في شنّ حملة استهدفت قمع أفراد مجتمع الميم/عين، وفي غضون شهر من تنظيم الحفل الموسيقي، شهدت ملاحقة مثليي الجنس -أو الأشخاص الذين نُظر إليهم على أنهم كذلك – تصاعدًا كبيرًا واعتُقل 75 شخصًا منهم -معظمهم من الرجال. قلة من المعتقلين حضروا ذلك الحفل، بينما جرى الإيقاع بآخرين عن طريق تطبيقات المواعدة (التي يستخدمها المثليون)، أو اعتقالهم في أماكن يرتادها الرجال المثليون من أبناء الطبقة الوسطى والعاملة للبحث عن علاقات مثلية في وسط القاهرة والجيزة. وأدينَ هؤلاء على الملأ ولحقت بهم وصمة العار في حالة من «الهلع الأخلاقي» الذي حرضت عليه وسائل الإعلام.[3]

ورغم عدم تجريم المثلية الجنسية نفسها في قانون العقوبات المصري؛ إلا أنه عادةً ما يواجَه مجتمع الميم/عين اتهامات تتعلق بالاشتغال بالجنس والفجور. واتُّهمت حجازي، وهي الأنثى الوحيدة التي جرى اعتقالها، «بإشاعة الانحراف الجنسي والفجور» و«بالانضمام إلى جماعات خارجة على القانون وتسعى إلى تعطيل أحكام الدستور» من بين جملة اتهامات أخرى.[4] ورغم طرح اتهامات من هذا القبيل لغايات ملاحقة الإرهابيين وأفراد الجماعات المسلحة والمنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين، فقد وُظفت تلك الاتهامات على مدار السنوات القليلة الماضية ضد المدنيين والنشطاء والكُتّاب الساخرين، أي ضد أي شخص يظهر في مظهر «مختلف»، أو يسلك مسلكًا يعارض النظام الاستبدادي الذي يقود دفته الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وفي حين طُرحت حقوق مجتمع الميم/عين للبحث والنقاش خلال الثورة المصرية التي اندلعت في عام 2011 وبعدها،[5] فقد بلغت الاعتقالات -لا سيما تلك طالت الرجال- نحو خمسة أضعاف ما كانت عليه في الفترة الممتدة بين الانقلاب العسكري في عام 2013 وشهر مارس من عام 2017،[6] حيث وصلت أحكام السجن التي صدرت بحق هؤلاء في أعلاها إلى ست سنوات، كما تعرّض الموقوفون للفحوص الشرجية، وهي أحد أشكال الاعتداء الجنسي الذي يُعَدّ ضربًا من ضروب التعذيب؛ بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب ووفقًا لمنظمات حقوق الإنسان، كمنظمة العفو الدولية.[7] لاحقًا، أُطلق سراح حجازي بكفالة بعد ثلاثة أشهر، تعرضت خلالها للتعذيب والاعتداءات الجنسية والمضايقات النفسية. وسلّطت وفاتها الضوء على القمع الوحشي الذي أوقعه النظام المصري بحق المواطنين من مجتمع الميم/عين. وفي الوقت ذاته، أطلق إعلان خبر وفاتها شرارة موجة جديدة من خطاب الكراهية ضدها وضد أصحاب الميول الجنسية غير النمطية (الكوير)، حيث ردّدت هذه الموجة الخطاب المعادي للمثلية الجنسية والذي وظفته وسائل الإعلام التي تقودها الدولة في عام 2017.

يبين هذا المقال كيف وظفت الحكومة المصرية «الهلع الأخلاقي»، الذي أذاعته وسائل الإعلام في عام 2017، لتعزيز شرعيتها[8] وترسيخ سلطتها القائمة على الاستبداد[9] بعد ثورة عام 2011. في الوقت ذاته، الذي تبني فيه وتعمّم رواية قوامها الأخلاق القومية التي تتعرض للاعتداء من جانب «آخرين» على المستويين الداخلي والخارجي. ونلقي الضوء، من خلال تطبيق تحليل الخطاب البنيوي والاستبنائي والنوعي الذي يسترشد بالنهج الذي وضعه دياز-بونيه،[10] على البنية الأساسية التي يستند إليها هذا الخطاب،[11] بناءً على تحليل ثلاث وسائل إعلام مختلفة تملكها الدولة، وهي: الأهرام أونلاين، واليوم السابع وجريدة الوطن. كما نكشف عن اللغة التي تنتهجها وسائل الإعلام في إسباغ صفة الآخر (الأخرنة)[12] على مثليي الجنس، وتكرار المواضيع التي يتناولها خطاب المثلية الجنسية، والتي تُعرّف باعتبارها ممارسة أجنبية، ويُنظر إليها كما لو كانت تهدد الأمن القومي والأخلاق والقيم والهوية والدين والمجتمع والثقافة في مصر، وذلك من خلال دراسة ثمانية وخمسين مقالًا يمثلون باكورة التغطية التي أعقبت الحوادث التي شهدها حفل فرقة مشروع ليلى الموسيقي.

ويلقي تحليل الخطاب المعلن الذي يتطرق إلى المثلية الجنسية نظرة ثاقبة، لها أهميتها، على الطريقة التي يعتمدها نظام السيسي في التراتبيات الهرمية المغايرة جنسيًا في العلاقات الجنسية، والتي ترد في الخطاب ويعاد ترسيخها فعليًا، في الحملة المتصاعدة التي تُعنى بملاحقة مجتمع الميم/عين من أجل مساندة مشروعه القومي. وفي الوقت نفسه، يكشف هذا الخطاب النقاب عن القلق إزاء نظام النوع الاجتماعي الأبوي بعد الثورة، إذ برزت المساعي والمبادرات في أوساط النشطاء في عام 2011، والتي تثير (أثارت) التساؤلات عن المغايرة الجنسية؛ فقد شكلت حملة القمع التي شُنت في عام 2017 جانبًا من «استعادة الهيمنة الذكورية»، وهي عبارة عن إجراء تُستخدم فيه مستويات أعلى من الإكراه و«توظيف أجهزة الدولة التي تعتنق أيديولوجيات شتى» لضمان إعادة إنتاج نظام أبوي مهزوز أو يفتقر إلى الاستقرار.[13]

خلفية: الاضطرابات السياسية والاجتماعية في مصر بعد «ثورة الخامس والعشرين من يناير»

للحملات القمعية التي طالت مثليي الجنس تاريخ حافل في مصر. ومن الأمثلة السافرة عليها اقتحام قارب «كوين بوت» في الحادي عشر من مايو عام 2001. وكان هذا القارب مكانًا ذو شعبية تُعقد فيه الحفلات ويُعرف بكونه حيزًا يلتقي فيه أفراد مجتمع الميم/عين. وفي سياق «قضية كوين بوت» هذه، اعتُقل اثنان وخمسون رجلًا، وأُسندت الاتهامات إليهم وأُطلق العنان للهلع الأخلاقي الذي بثته وسائل الإعلام.[14] ووفقًا لبرات وعواد، فقد كان ذلك يستهدف في الأساس صرف الانتباه عن إخفاقات الحكومة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتغييرات الاجتماعية والاقتصادية، وتحول أدوار النوع الاجتماعي.[15] ويبدو جليًا أنه ثمة امتداد وتشابه بين القضيتين. ورغم ذلك، لا يمكن تفسير الحملة التي أطلقتها الحكومة لقمع مجتمع الميم/عين في عام 2017 والزيادة الهائلة التي شهدتها إجراءات الملاحقة في ظل نظام السيسي باعتبارها استمرارًا للسياسة السالفة ببساطة، وإنما ينبغي وضعها في سياقها الصحيح الذي يرتبط بحقبة ما بعد الثورة في مصر.

منذ الإطاحة بالرئيس حسني مبارك في أعقاب «ثورة الخامس والعشرين من يناير» عام 2011، شهدت مصر تحولات سياسية رئيسية. وانتخب رئيسها الأول في عام 2012 – وهو محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين – ولكن حملة استهدفت خلعه من الحكم أسفرت عن خروج الملايين إلى الشوارع في شهري يونيو ويوليو عام 2013.[16] وترافقت هذه المظاهرات مع انقضاء عهد مرسي في الرئاسة في الثالث من يوليو عام 2013، فيما سماه السيسي ومؤيدوه «الثورة الشعبية الثانية»،[17] بينما سماها آخرون -كأنصار حركة الإخوان المسلمين ومعارضي النظام والمفكرين- «انقلابًا».[18]

وواجه مناصرو جماعة الإخوان المسلمين قدرًا هائلًا من العنف على يد القوات الأمنية،[19] وسرعان ما حُظرت جميع الأنشطة السياسية التي ترعاها الجماعة. وصُنفت الجماعة رسميًا منظمةً إرهابية في ديسمبر عام 2013. وفي الثامن من يونيو عام 2014، انتُخب زعيم الانقلاب وقائد القوات المسلحة، السيسي، رئيسًا. وللوهلة الأولى يبدو أن سلطة السيسي تنعم بالأمان. إلا أن البلاد لا تزال تشهد انقسامًا عميقًا،[20] وتواجه أزمة اقتصادية لا تفتر،[21] ويكافح النظام في سبيل نيل الصفة الشرعية. وتتجاوز إجراءات القمع والاعتقالات مناصري حركة الإخوان المسلمين، إذ تستهدف الحكومة، على نحو منهجي، الصحفيين والنشطاء ومنتقديها، وزجّت بما لا يقل عن 60.000 معتقل سياسي في غياهب السجون.[22]

وترافقت هذه التغييرات مع «تصاعد كبير في وتيرة الخطاب القومي»، الذي يُعرّف «من هم الصالحون لمصر، ومن هم الوطنيون الحقيقيون ومن هم الأعداء».[23] واستند القمع الذي اشتدت وطأته على عدة قوانين (جديدة)، من بينها قانون مكافحة الإرهاب وحالة الطوارئ.[24] وفُرضت قيود مشددة على وسائل الإعلام المصرية، وجرى حجب نحو 500 موقع على شبكة الإنترنت منذ عام 2017.[25] ومع تراجع عدد وسائل الإعلام الخاصة التي تبدي المعارضة للحكومة، تعمل أجهزة الإعلام التابعة للدولة على ترويج برنامج يؤيد الحكومة ويناصرها ويناهض الإخوان المسلمين ويكنّ العداء له، ويواجه الصحفيون إجراءات تأديبية بسبب حيادهم عن الروايات التي تسوقها الحكومة. وعلاوةً على ذلك، تملك الهيئات الثلاث التي تضطلع بتنظيم قطاع الإعلام -والتي أنشئت قبل «قضية علم قوس قزح»- ولاية دستورية تخولها تأمين حرية الصحافة، إلا أنها في واقع الأمر تفرض قيودًا جمة عليها. ففي هذه الأيام، يتولى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ترخيص وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمطبوعة ويشرف على جميع وسائل الإعلام، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للإعلام والهيئة الوطنية للصحافة، اللتان يعيّن الرئيس معظم أعضائهما.[26]

وفي الثلاثين من سبتمبر عام 2017، في أعقاب الحفل الموسيقي الذي أحيته فرقة مشروع ليلى، اشترط المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام على وسائل الإعلام أن يترافق أي بيان يأتي على ذكر المثلية الجنسية أو «الإشارات» التي تدل عليها (مثل أعلام قوس قزح) بتصريحات تشير لأن المثلية الجنسية سلوك غير لائق، وأنها مرض وعار ينبغي إخفاؤه أولًا، وإظهار المثليين الجنسيين على أنهم نادمين على ما بدر منهم من أفعال.[27] وأراد المجلس تجنب التغطية التي تبدي التعاطف مع هؤلاء الأشخاص، مُظهرًا «ميولًا متزايدة تنحو لتعزيز الرقابة ورفع مستواها باستخدام قواعد أخلاقية يلفها الغموض ووضعها باعتبارها حدودًا قانونية».[28] وفي الخامس والعشرين من أكتوبر عام 2017، طرح عضو في البرلمان المصري مشروع قانون أيده سبعة وستون عضوًا من أعضاء البرلمان. ووضع مشروع القانون تعريفًا للمثلية الجنسية، مُقرًا عقوبات بالسجن تصل في حدها الأقصى لخمس عشرة سنة في حال الإدانة بموجب أحكامه المتعددة، واقترح الإفصاح عن هوية الأفراد الذين يدانون بذلك. وكان من شأن هذا الأمر تعريض هؤلاء الأفراد للعنف الذي توقعه الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية بحقهم.[29] وبرغم أن مشروع القانون المذكور لم يبصر النور، فهو يؤكد تنامي ظاهرة تجريم المثلية الجنسية.

ومن أجل تعزيز السلطة في الأنظمة الاستبدادية، لا غنى عن بناء الشرعية العامة (أو «الثقافية» حسبما يراه غرامشي)،[30] إلى جانب القمع. ففي عهد السيسي، أمست «ثورة الخامس والعشرين من يناير» موضوعًا للعديد من مراحل التفرد بالسلطة ونزع الشرعية؛[31] بمعنى أن النظام وجهاز الإعلام يؤكدان أن الثورة جرّت آثارًا كارثية على الاقتصاد وأمن الدولة -وهو طرح يهدف لإقناع الناس بأن أية انتفاضة أخرى قد تنطوي على الخطر،[32] في الوقت ذاته الذي تجري فيه تبرئة السيسي من اللوم عن الوضع الراهن الذي آلت مصر إليه.

ويسعى السيسي إلى إثبات السلطة التي يتولاها الجيش في الحرب على الإرهاب في شبه جزيرة سيناء، في الوقت ذاته الذي يصور فيه نفسه باعتباره حامي حمى النساء والأقباط، وعلى أنه شريك دولي ومسلم يكتسي ثوب الصلاح والورع. ولذلك، تصدى السيسي للصورة التي صوره فيها الإخوان المسلمون معاديًا للإسلام، وقدم نفسه بخلاف ذلك على أنه «مصلح للإسلام»،[33] في الوقت الذي حاول فيه بسط سيطرته على الحيز الديني.[34] وقد أطلقت هاردرز تسمية «الأسلمة» على هذا النوع من منطق الإجراءات الاستبدادية، إذ يسعى النظام لمواجهة الهيمنة الثقافية التي تملكها الجهات الفاعلة الدينية من خلال «الظهور في مظهر أكثر تدينًا من الإسلاميين أنفسهم»، وهذه عملية رآها المرء بالفعل إبان عهد مبارك.[35] ويستخدم السيسي بصفة خاصة «الرواية القومية»، التي تستند على «مفهوم الروح الوطنية والأمة الذي يتأثر تأثرًا كبيرًا باعتبارات النوع الاجتماعي». ويُنظر للجيش كما لو كان «ممثلا للرجولة»، في حين يؤنث السكان بعمومهم. وتجد عبادة الشخصية التي تتمحور حول السيسي ما يغذيها ويرفدها في «تأنيث الشعب على نحو سلبي يكن العداء للمرأة».[36]

مراجعة الدراسات السابقة

لكي نفهم سياسة المثلية الجنسية والخطاب الذي يتناولها في مصر، سوف نستند في المقام الأول إلى الدراسات النسوية وما بعد الكولونيالية المهمة التي تطرقت إلى القومية القائمة على النوع الاجتماعي.[37] فقد ركز العمل الذي يراعي النوع الاجتماعي على القومية المصرية بصفة رئيسية على مرحلة بناء الأمة، والتي امتدت بين فترة حكم محمد علي وثورة عام 1919 على البريطانيين، كما أبرز الطريقة التي وُظفت فيها الأسرة النووية الحديثة لتشكيل الشخصية القومية في الوقت الذي اكتسب فيه المواطنون سلوكيات محلية.[38] ودرس بارون أشكال الخطاب المطروح في المواعظ الأخلاقية عن الأنثى والمواطنين المؤنثين؛ لكي يبين كيف أن القوميين المصريين نهضوا بمفهوم شرف الأسرة، الذي يتمحور حول عفة الأنثى، في سياق الصراع الذي خاضوه في مواجهة الاستعمار والإمبريالية.[39] وبيّن جاكوب كيف أن الطبقة البرجوازية المصرية أنتجت رجولة الأفندي الجديدة، التي استندت إلى الخطاب التاريخي بجانب القيم المعاصرة في النضال الذي خاضته في وجه خطاب الاستشراق والحكم الاستعماري.[40] ومن خلال مقارنة الخطاب الوطني المهيمن في مصر في ظل حكم كل من عبد الناصر والسيسي، تكشف نجيب عن رموز جندرية ثنائية في السرديات المستعملة في كلتا الحالتين، أي عن وجود دلالات رمزية تحيل إلى فهم ثنائي للجندر. وتفترض أن «صورًا ورموزًا تتأثر تأثرًا كبيرًا باعتبارات الجندر قد أضفت طابعًا شرعيًا على الحكم العسكري الاستبدادي وأرست دعائمه» في كلتا الحالتين.[41] ويعود هذا في أصوله إلى الفرضيات النظرية التي تصف تداخل القومية مع الرجولة،[42] والقومية مع المثلية،[43] والعلاقة التي تجمع رهاب المثلية الجنسية وعمليات على شاكلة الأخرنة[44] التي يجري من خلالها الإبقاء على التراتبيات الهرمية المهيمنة للرجولة والقومية.

وتندمج الأخرنة ضمن الفكرة المرتبطة بأي قومية؛ فبناء الأمة ومؤشرات الهوية القومية ضرورية، من قبيل الأصل الإثني والدين واللغة والثقافة.[45] وقد وصف الكُتّاب الذين نشروا المؤلفات عن الصور النمطية الثنائية للجندر في الشرق، والتي أسبغت طابعًا شرعيًا على الهيمنة الاستعمارية، كيف كان المستعمِرين الأوروبيين ينظرون إلى الشرق الأنثوي (المسلم) مقابل الغرب الرجولي (المسيحي)،[46] وكيف كانت الشخصيات الأنثوية والرجولية التي تمثل الأمة[47] تُبنى وتشكَّل. ويؤدي الحطّ من قيمة الآخر عمله كما لو كان تأكيدًا ذاتيًا وادعاءً بالتفوق، وكانت أخرنة الشعوب المستعمَرة تشكل جزءً لا يتجزأ من الاستعمار الأوروبي.[48] وشكلت الحركات المناهضة للاستعمار هوياتها الخاصة، التي استندت في حالات ليست بالقليلة إلى المفهوم الإثني أو المفهوم الديني أو كليهما؛ في سبيل تحرير نفسها من ربقة الاستعمار.[49] وهذه الذات الجديدة، التي انطبعت بطابع جوهراني وحملت دلالة إيجابية في نفسها، يُنظر إليها على أنها مغايرة للمستعمِر ومختلفة عنه.[50] ومن خلال توظيف الجنس والجندر، جرى تشكيل هوية يمكن اعتبارها أصيلة أو تقليدية -لا سيما في سياقات الاستعمار وما بعد الاستعمار[51] كما هو عليه الحال عليه في مصر؛[52] من أجل تقنين السلوكيات الجماعية بيئات اجتماعية، وادعاءات مرتبطة بهويات يُنظر إليها على أنها مرغوبة، في الوقت ذاته الذي تتأكد فيه السلطة السياسية.[53]

وتعد «قضية علم قوس قزح» جانبًا من جوانب رهاب المثلية الجنسية التي تبثها وتستحثها الدولة في مصر -وقد يتساءل المرء عما إذا كان هذا الرهاب من المثلية الجنسية يمثل ردة فعل على الاستعمار الغربي ونتيجة ناشئة عنه. فقد أدلى العديد من الباحثين المنحدرين من بلدان إسلامية بدلوهم على صعيد إثبات التمثيلات الإسلامية المتنوعة للجنسانية مقابل المواقف الغربية.[54] فباوير يسوق الأسباب التي تؤيد فهم «الإسلام بوصفه ثقافة يلفها الإبهام والغموض»، إذ كان الجنس يُمارَس -من وجهة نظر غربية تصنف على أنها غير معيارية- دون أن يكون له ارتباط بهوية أو فئة جنسية محددة.[55] ولكن هذا النقاش لا يزال دائرًا وبينما يتحدث بعض المؤلفين[56] عن المثلية الجنسية في الشرق الأوسط، يدفع آخرون من أمثال مسعد بأن الثنائية التي يضعها الغرب لمثليي الجنس ومغايري الجنس إنما فُرضت على التابعين الخاضعين للاستعمار الفكري والجنسي من أجل تصنيفهم ضمن فئة «مثليي الجنس» أو «المثليين.»[57]

وفي الوقت نفسه، فرضت قوى الاستعمار المفاهيم التي تراها للجنسانية والأخلاق في تشريعاتها. فالقوانين التي أُقرت في ظل الحكم البريطاني لا تزال معتمدة في مصر في توجيه الاتهام إلى «من يخالفون القانون» بارتكاب فعل «الدأب على ممارسة الفجور» (على سبيل المثال قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937). وفضلًا عن ذلك، يوظَّف قانون يُعنى بتنظيم الاشتغال بالجنس من جملة أنشطة أخرى لها صلة به (القانون رقم 10 لسنة 1961) في إدانة من يُزعم انتمائهم إلى مجتمع الميم/عين. ويمكن تتبّع أصول هذا القانون إلى «الأيام التي كان فيها النضال القومي في ذروته»،[58] وكان يهدف إلى محاربة بيوت الدعارة التي كان البريطانيون يملكونها ويرتادونها.[59] وبناءً على ما يراه مسعد، اقترح رحمان «فهم العلاقة الجدلية بين الإسلام وحقوق الكويريين باعتبارها عملية متقاطعة تتسم بقدر أكبر من التعقيد، ووصف الطريقة التي يسهم فيها وضع حقوق الكويريين ومعاداة المسلمين للمثلية الجنسية ضمن إطار نموذج متقاطع في استحضار إحساس بالصفة الاستثنائية الغربية».[60] وبينما ينتقد رحمان الطريقة التي توظَّف فيها مفاهيم الميل الجنسي في قالب استعماري كلاسيكي، فهو يشير إلى أن «الاستعمار المثلي» يجد من يعتمده -لا سيما من جانب الأطراف الحكومية التي تمارس القمع- لكي «يستمد شرعيته من تشجيع سكانه على مقاومة فرض حقوق الكويريين باعتبارها جانبًا من مقاومة الاستعمار الجديد».[61]

وبناءً على ذلك، عندما ينضم المسئولون الحكوميون ووسائل الإعلام وغيرها من الأطراف الفاعلة إلى خطاب الأمن القومي الذي يعادي المثلية الجنسية، تُعدّ «الذات الأصيلة» أمرًا في غاية الأهمية بالنسبة لإنتاج (أو إعادة إنتاج) السيادة القومية والمحافظة على النظام العام وحماية الهوية الثقافية.[62] ويصف عواد، في معرض التحليل الذي يسوقه «لقضية كوين بوت»، «أزمة جديدة تعصف بالحداثة في حقبة ما بعد الاستعمار والتي تجري المطالبة بالسيادة عليها، وتستشري الهيمنة (الاقتصادية) الخارجية على الأقل (…) من خلال استبدال الهواجس الاقتصادية بالسلوك الأخلاقي الذي تسلكه الأمة.»[63] وزيادةً على ذلك، يمكن تفسير الإجراءات المُتخذة بحق الرجال المثليين باعتبارها محاولة «لإنقاذ» الرجولية المصرية من التهديد الذي تعيشه نتيجة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والتحول الذي تشهده الأدوار الجندرية.[64] ومن المؤكد أن مشاركة النساء ومطالبهن الصريحة بحقوقهن في الاحتجاجات، واتساع نطاق النقاشات التي تناولت العنف الجنسي في الحيز العام، ووجود «زاوية فعلية لمجتمع الميم/عين»[65] في ميدان التحرير، والنقاشات التي تطرقت لمستقبل هذا المجتمع في مصر والانتفاضات التي انطلقت شراراتها في عام 2011، أضفت زخمًا خاصًا فيما يتعلق بالمساعي المبذولة في سبيل تغيير الأدوار المهيمنة للنوع الاجتماعي.[66]

ومع ذلك، لا محالة أن تمكين الناس من مساءلة الدولة الأبوية والذكورية ونظامها العام أطلق «حالة من القلق والهلع الاجتماعي تجاه الهيئات التي شكلتها المحتجات من النساء».[67] فنتيجةً لذلك، تُفرض الرقابة على الجماعات التي يُنظر إليها على أنها تشكل خطرًا على النظام الأبوي والأمة، إلى جانب الجماعات الأنثوية والهيئات التي يقيمها مجتمع الميم-عين، وتترافق هذه الرقابة على الدوام مع الرواية التي تُسوّقها الدولة والتي «ترتكز على الأخلاق».[68] ويمكن اعتبار هذه العملية «استعادةً الهيمنة الذكورية» (كانديوتي)، أو عملًا يُعنى بإعادة تعزيز «الرجولة المهيمنة من أجل المحافظة على السيطرة على الحيز العام الذي يراعي النوع الاجتماعي، والقضاء على الإمكانيات التي تيسر التغيير الاجتماعي والسياسي، وبالتالي تعزيز بنية المواطنة المراعية للنوع الاجتماعي».[69]

ونلقي الضوء، فيما يلي، على الطريقة التي تشكل فيها وسائل الإعلام الخاضعة لرقابة الدولة وتنتج «الذوات شديدة الحضور»[70] خلال الهلع الأخلاقي، وكيف يرتبط ذلك بالمشروع القومي وإعادة ترسيخ الحكم الاستبدادي في ظل حكم السيسي ويسانده.

منهجية تحليل الخطاب ومجموعة البيانات

يستند تحليل ردة فعل وسائل الإعلام على «قضية علم قوس قزح» إلى المنهجية التي وضعها دياز-بونيه في التحليل البنيوي للخطاب.[71] وتشمل مجموعة البيانات الخاضعة للتحليل ثمانية وخمسين مقالًا منشورًا على شبكة الإنترنت، وتتناول الموضوع الذي حفظناه في مستودع للبيانات:[72] الأهرام، وهي وكالة أنباء تملكها الدولة ويُنظر إليها على نطاق واسع على أنها الصحيفة الأكثر حجية وتأثيرًا في مصر،[73] واليوم السابع التي تتبع لجهاز المخابرات المصرية،[74] وجريدة الوطن التي تمثل وسيلة إعلام يملكها القطاع الخاص وأُسست في أعقاب ثورة عام 2011 وتركز على القراء من جيل الشباب. وتنقل جميع وسائل الإعلام هذه الأخبار ويُتاح الاطلاع عليها لكل مصري تتوفر له إمكانية الاتصال بشبكة الإنترنت -وتخضع لرقابة الدولة. ولذلك، ييسر تحليل هذه الوسائل فكرة معمقة عن الخطاب العام الذي تنظمه الدولة وتوجهه.[75]

ونشرت تلك المقالات بعد إقامة الحفل الموسيقي، ورغم أن علم قوس قزح الذي ظهر في هذا الحفل في الثاني والعشرين من سبتمبر قد انتشر كالنار في الهشيم على الإنترنت، فقد استغرق الأمر يومين قبل أن تُنشر المقالات التي تناولت هذا الموضوع. ويمكن عزو هذا التأخير إلى حساسية مسألة المثلية الجنسية في مصر، ما يؤكد الفئة التي اكتست طابعًا أمنيًا طاغيًا في تغطية الحفل المذكور. وتصاعدت وتيرة نقل هذا الخبر بعد الرابع والعشرين من سبتمبر. ثم بدا أن الاهتمام في هذا الموضوع صار يخبو بعد الثلاثين من سبتمبر عام 2017 والمرسوم الذي صدر عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بشأن الإتيان على ذكر المثلية الجنسية في وسائل الإعلام. ولكن في مطلع شهر نوفمبر، برزت هذه المسألة مرة أخرى في اليوم السابع والأهرام، وهو ما تصادف زمنيًا مع المداولات التي عقدها البرلمان حول مشروع قانون بشأن المثلية الجنسية.

تمثيل مثليي الجنس والثيمات المتكررة في الخطاب

في خطوة أولى، جمعنا الدلالات، ومن ثم المواضيع التي تناولتها المقالات عن الحادثة. وقد استخدمت غالبية الصحف مصطلح المثلية الجنسية، الذي يُعدّ ترجمة مباشرة لكلمة («homosexuality»)، أو المثليين («gays») بالإنجليزية. كما استخدم الصحفيون مصطلحات تنحو منحىً حرفيًا أقل وأكثر ازدراءً، ككلمة الشذوذ في موضع الاسم وكلمة شاذ في موضع النعت. ومن المصطلحات الأخرى التي استُخدمت في هذا المقام كلمة شواذ. كما وجدنا من النعوت التي شاع استخدامها -لا سيما في الأهرام– نعت الفاسقين، الذي يرد ذكره في القرآن في معرض وصف «العصاة.» وسلكت الأهرام، على وجه الخصوص، مسلكًا قاسيًا في استخدام عبارات تشوه صورة مثليي الجنس وتنزع عنهم الصفة الإنسانية، وذلك من قبيل الفاسقين، والمخنثين، والمرضى النفسيين، والانحراف والسلوكيات الشاذة، وطقوسهم المدنسة وتتسرب (…) مثل السرطان. وتدل هذه الاختيارات الدلالية على الأخرنة؛ إذ تنتج الآخر وتصنفه في فئة يُنظر إليه فيها باعتباره مختلف وشاذ ولا صفة إنسانية له، في الوقت ذاته الذي تضفي فيه هالة مادية على الذات المصرية الطاهرة والأصيلة.

وجرى إبراز تلك الكلمات التي تحمل إيحاءات سلبية في مضمونها في معظم العناوين الرئيسية، وورد التركيز على بعض منها بوجه خاص من خلال الاستشهاد بأقوال السلطات الدينية في الأزهر ودار الإفتاء المصرية ومسئوليها،[76] الذين وصفوا مثليي الجنس بأنهم مذنبون ومرضى ويشكلون تهديدًا، وأن مجرد رفع علم قوس قزح (علم المثليين) يعد انحرافًا أو جهرًا بالمعصية وترويجًا للفتنة.

واستخدمت الصحف كلها حقلًا دلاليًا متشابهًا وحججًا يشبه بعضها بعضًا، حتى قبل صدور المبادئ التوجيهية التي وضعها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بشأن نقل الأخبار عن مثليي الجنس. وبعد تحليل سطحي لهذه المواد وترميزها على نحو أدق، لاحظنا الاختلافات الدقيقة في التغطية التي أجرتها وسائل الإعلام الثلاث. ففضلًا عن اللغة المهينة التي تصف مثليي الجنس، شددت صحيفة الأهرام على اختراق الغرب وتغلغله في المجتمع المصري، وشجعت وسائل الإعلام على الحد من «انتشار المثلية الجنسية» في مصر، في الوقت ذاته الذي نادت فيه «بالواجب الذي يمليه الشعور بالمسئولية تجاه مصير البشر، الذين يتحدون في المحافظة على الأديان الإلهية» -وهي لغة تنطوي على إدراج أقباط مصر ضمن الجماعة الوطنية، وهو النهج «الرسمي» المعتمد اليوم على صعيد تحقيق الوحدة الوطنية.

وافترض خطاب صحيفة اليوم السابع -الذي ركز على تدهور الشباب وتردّيهم- وجود ارتباطات مع الحركات التي ثارت في يناير عام 2011، والمؤامرة الأجنبية والقيم والهوية المصرية. ولم تورد هذه الصحيفة أي إشارة من قريب أو من بعيد إلى الوضع السياسي أو الاقتصادي الراهن. وعوضًا عن ذلك، اتخذت الصحيفة نهجًا يولي قدرًا أكبر من التركيز على التثقيف وإسداء النصح؛ إذ نشرت في هذا المقام تفسيرات للقوانين ومقابلات مع السلطات الدينية حول «ما تفعله إذا كان ابنك مثليًا» و«طريقة التعامل مع المثليين في المجتمع». وبعدما صدر البيان التنظيمي عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، نشرت اليوم السابع قائمة «بالجوانب السلبية التي تنطوي المثلية الجنسية عليها»، وكتابات عن «الطرق التي تكفل محاربة المثلية الجنسية والحد من خطرها على الفرد والمجتمع».

وتعاملت جريدة الوطن مع المثلية الجنسية باعتبارها تهديدًا للمجتمع والرجولية أكثر مما نحت إليه الصحف الأخرى. ومع ذلك، وعلى خلاف وسيلتي الإعلام الأخريين، أتاحت أخبار الوطن منصة لمؤيدي حقوق مجتمع الميم/عين من خلال نشر تعليق أدلى به أحد المشاركين في الحفل الموسيقي، ومقابلة مع أحمد علاء الذي كان قد تعرض للاحتجاز بسبب رفع علم قوس قزح، وتصريحًا صدر عن حركة الاشتراكيين الثوريين التي أعلنت تضامنها مع مثليي الجنس وحقوقهم في السادس والعشرين من سبتمبر.

وعدا عما تقدم، لم تنشر أي من الصحف الثلاث آراء أدلت بها الأطراف التي جرى تجريمها ولا مقابلات معها. فقد تبنت هذه الصحف موقفًا استبق الأمر الذي صدر عن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بما أقدمت عليه من حرمان تلك الجماعات من إمكانية التعبير عن آرائها. وعوضًا عن ذلك، صورت هذه الصحف الجماعات المذكورة في صورة الآخر المجرَّم، تصدر السلطات الدينية والقضائية والعلمية أحكامها عليها. وشمل ذلك إجراء مقابلات مع أطباء دفعوا بأن المثلية الجنسية تقف على طرفي نقيض مع الطبيعة، وأن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) شكل من أشكال الحكم بالموت الذي يقضي به الدين. في الوقت نفسه، تصرفت السلطات الدينية التي جرى التشاور معها أو كتّاب المقالات كما لو كانوا قضاة وأصحاب سلطة أخلاقية انبروا للتصدي «للخطر» الذي تشكله المثلية الجنسية، في سياق سعيهم لحماية المجتمع المصري وتنبيهه ليأخذ حذره من هذا التهديد – الذي ساد الافتراض بأنه جاء في سياق التنفيذ المباشر لإرادة السيسي «بناءً على تعليمات الرئيس (…) السيسي».

الدين والأخلاق والقيم والثقافة المصرية «الأصيلة»

في معظم المقالات، نظر ممثلو الدولة أو المؤسسات الدينية إلى المثلية الجنسية على أنها تتناقض مع الدين، وكذا مع الأخلاق (وهذا مصطلح لا يرد تعريف له في المقالات ولا في النصوص القانونية، وبالتالي فهو عرضة للتأويل والتغيير). ولم يورد هؤلاء على وجه التحديد أن الأخلاق والتقاليد والشريعة الإسلامية باعتبارها نقاطًا مرجعية فحسب، بل ذكروا أحد «المعتقدات الدينية» العامة والموقف الذي تتبناه «جميع الديانات السماوية» التي تتقاسم ازدراءها واحتقارها للمثلية الجنسية. وبناءً على ذلك، يذيع هؤلاء أخلاق النظام ويبجلونها باعتبارها ترتكز على الإسلام في أساسها، في الوقت ذاته الذي يشيرون فيه إلى أن ذلك لا يعبر عن موقف إسلامي فحسب، وإنما عن موقف تشترك فيه الجماعات الدينية أيضًا. ويرد التأكيد على الوحدة الدينية المزعومة في رفض المثلية الجنسية واستنكارها في تواتر ذكر قصة النبي لوط (التي يقرأها المرء في الإنجيل والقرآن)، والإشارات التي تحيل إلى المواقف التي يبديها غير المسلمين في مواجهة المثلية الجنسية، بما فيها مواقف الكنسية الكاثوليكية والكنائس البروتستانتية وشريعة اليهود الأرثوذكس المتشددين.

ويضطلع الإسلام بدور مهم في بناء الهوية القومية المصرية،[77] ويهلل المحافظون بوجود قوانين الأسرة التمييزية التي تضرب جذورها في شرائع الإسلام باعتبارها وسيلة لتأكيد الجذور الإسلامية «الأصيلة» التي تنبني البلاد عليها.[78] وعلاوةً على ذلك، يدفع الصحفيون بأن القانون المصري يستند إلى الشريعة الإسلامية – حتى لو كان ذلك يجانب الصحة نظرًا لأن الاستناد إلى الشريعة يقتصر في الغالب على قانون الأحوال الشخصية، بينما القوانين التي تتناول الفجور هي جزء من القانون الجنائي المصري الحالي الذي يستند في جانب كبير منه إلى القانون المدني الفرنسي، كما يظهر أثر القانون المدني البريطاني فيه. ومع ذلك، يُستخدم الإسلام باعتباره مؤشرًا على الاختلاف القومي عن الغرب. ونتيجةً لذلك، يجري تمثيل السلوك الذي يُنظر إليه على أنه ينأى عن الأعراف الدينية أو يضل عنها وتصويره على أنه مخالف للإسلام، وبالتالي لا يمتّ لمصر بِصلة.

وتُوظف العقوبة المترتبة على المثلية الجنسية والتشهير بها من أجل إنتاج الهوية والثقافة القومية المصرية. وعلى منوال الملاحظة التي ساقتها برات حول عام 2001، لا يشكل التوظيف مصطلح المنحرفين على نحو لا يفتر لوصف مثليي الجنس ومن شاركوا في الحفل الموسيقي فكرة «الانحراف عن» الأعراف الثقافية التي تحكم المجتمع فحسب، بل إنه يسعى بلا كلل لتشويههم أيضًا.[79] فالمقاربة بين القيم الأخلاقية والدينية من جهة و«القيم المصرية التقليدية» من جهة أخرى لافتة للنظر، لا سيما في ضوء الروايات المتضاربة التي تتناول القومية المصرية وتأثيراتها الأيديولوجية العلمانية. وفضلًا عن ذلك، يسترعي اختيار تسمية مصر «أرض الأزهر» انتباه المرء بالنظر إلى أنها تخفي وراءها الوضع الصعب الذي يمر به الأزهر في ظل حكم السيسي،[80] ما يجعل الأزهر عاملًا يرعى الوحدة الوطنية؛ ويعني ذلك في مضمونه أن القانون يؤكد سلطته الدينية.[81] وتُصوَّر الثقافة المصرية، التي تضرب جذورها في الإسلام، على الدوام على أنها تتعارض مع «الغرب» (والمثلية الجنسية) وتنفصل عنهما. ولذلك، نُقل عن مسئولي الدولة -من قبيل نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب محمد الغول في السادس والعشرين من سبتمبر عام 2017 في اليوم السابع– دفاعهم عن ملاحقة مثليي الجنس على أساس حماية قيم الثقافة المصرية من الفساد الخلقي في الغرب.

«هيمنة الغرب»

يهمين على رواية صحيفة الأهرام التهديد المتصوَّر للنفوذ الأجنبي، وذلك على شاكلة ما ورد فيها في السادس والعشرين من سبتمبر عام 2017، على سبيل المثال: «وكأن هناك يدًا خفية تسعى بكل قوة لتجريف الشباب في مصر، بتشجيع قطاعات منهم على الانحراف والانخراط في سلوكيات شاذة، أو التغرير بقطاعات أخرى ودفعها لاعتناق أفكار متطرفة والانخراط في جماعات إرهابية (…)». وكانت بعض الدوافع التي عُثر عليها، مثل «الأيادي الخفية» التي تؤثر على الشباب المصري، حاضرة في أصل الأمر خلال ثورة عام 2011 واستحضرت فكرة القوى الأجنبية (وهي في العادة الدول الغربية، فضلًا عن البلدان التي تدعم حركة الإخوان المسلمين) التي تتحكم في الشباب أو تبسط سيطرتها عليهم، فيتجهون بعد ذلك لمعاداة المعايير التي ترعاها مصر، بما ينطوي عليه ذلك من سلوك منحرف وشاذ. ومن الجلي أن الفكرة القائلة بأن مثليي الجنس يقنعون آخرين بالانضمام إلى أفكارهم «المتطرفة» ومضاهاة النشاطية التي تدعو إلى حقوق مجتمع الميم/عين بمخاطر الإرهاب تحول هؤلاء المثليين إلى خطر سياسي يداهم الأمة المصرية.

كذا يقال أن الغرب مسئول عن ترويج ونشر المثلية الجنسية والأخلاق التي «لا تعد مصرية»، ويُنظر إلى «نشر المثلية الجنسية» على أنه أحد الآثار الجانبية السلبية التي تفزرها العولمة واستمرار الهيمنة التي يمارسها الغرب،[82] مثلما تدل على ذلك الجملة التالية المقتبسة من مقال نشر في الثلاثين من سبتمبر عام 2017 في أخبار الوطن: «فالهيمنة الغربية لم تعد قاصرة (…) على جانب العلاقات الخارجية للدول، في سياستها أو اقتصادها أو ثقافتها أو تعليمها أو إعلامها.. إلخ؛ بل تسللت لتهيمن على كافة مظاهر الحياة في داخل هذه الدول، من خلال ضبط منظومة القوانين فيها وفقًا لمنظومة الاتفاقيات الدولية التي تهيمن عليها الثقافة الغربية».

كما يرد التعبير عن هذه الهيمنة في فرض «القيم الغربية»، التي تتماهى بدورها مع التشريعات التي تنظم زواج المثليين و«تعزيز حقوق المثليين» بصفة عامة من خلال المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، أو عن طريق الدعم المالي الذي يقدمه الغرب للمنظمات غير الحكومية المصرية.[83] وتتوافق هذه الآراء مع المؤلفات التي نشرها رحمان عن «الاستعمار المثلي»، حيث يرى أن «الجهات الفاعلة التي تمارس القمع في الدولة، على وجه الخصوص، غالبًا ما تستمد شرعيتها من تشجيع سكانها على مقاومة حقوق الكويريين باعتبارها جانبًا من مقاومة الاستعمار المثلي».[84] ولذلك، يصوَّر الغرب ومنظمات حقوق الإنسان على أنها تعمل ضد مصر بعمومها، وأنها تنطوي على قيم غير مصرية وتؤكدها وترسخها. ويتمحور الجدل الدائر حول ضرورة حماية السيادة القومية المصرية من النفوذ الغربي («القيم والأخلاق الغربية») التي يُنظر إليها باعتبارها تقوض أواصر الأمة.

المثلية الجنسية باعتبارها تهديدًا أمنيًا

تصف استعارات مختلفة المثلية الجنسية على أنها تهديد يكتنف المجتمع القائم، سواء بوصفها انحرافًا أو مرضًا، وتقارنها في حالات كثيرة بالسرطان أو الإيدز. وبالإضافة إلى ذلك، تُصوَّر المثلية الجنسية باعتبارها تهديدًا يعتري الأطفال والأسرة والزواج والأمة المصرية عن بكرة أبيها، والتي يُشار إليها عادةً بكلمة الوطن. ومع ذلك، تُستخدم كلمة الدولة في أحيان أكثر، على نحو ربما يشير في مضمونه إلى الخطر الذي يحدق بسيادة الدولة. كما يبرز التهديد الذي يحيق بالدولة المصرية في التصريحات التي تؤكد أن التسليم بالمثلية الجنسية وقبولها قد يشكل أرضًا خصبة للتطرف، وأن المثلية الجنسية يمكن مقارنتها ومضاهاتها مع الإرهاب. فعلى سبيل المثال، يقرأ المرء ما نشرته الأهرام في التاسع والعشرين من سبتمبر 2017 أنه «لو فتح مثل هذا الباب، لحصل انهيار أمني – إرهاب – (…) الله يحفظنا من الفاسدين». وتستفيد هذه المقارنة من خطاب آخر يضفي صفة الآخر على عدو داخلي يتربص بالأمة المصرية: فكلا مثليي الجنس والإرهابيين يُنظر إليهم كما لو كانوا يشكلون تهديدًا يعتري الأمن القومي، وعلى أنهم ينتشرون ويتنامون، وعلى أنهم خطيرون (ماديًا عن طريق تدمير الصحة العامة، وأخلاقيًا عن طريق تقويض وحدة الأمة ودينها)، وعلى أنهم فاسدون، ومنحرفون، ومجرمون.

ويتجلى تصوير مثليي الجنس في صورة من يشكلون تهديدًا للأمة من خلال الإشارات التي تحيل إلى المعارضين السياسيين (الذين يعدّون أعداءً للدولة كذلك)، أو من خلال التشهير بالأشخاص الذين يوجهون انتقادات للنهج الذي تسلكه الدولة في معاملة مثليي الجنس، ويوسَمون أيضًا بوسم المثليين. وتقيم بعض التعليقات صلات مع ثورة عام 2011 وتشير إلى الاشتراكيين الثوريين[85] أو حركة السادس من أبريل، والتي بات كل منهما معروفًا بالأدوار بالغة الأهمية التي اضطلع بها في تنظيم مظاهرات ميدان التحرير. فتجريم حركة السادس من أبريل وتوجيه الانتقادات إلى الاشتراكيين الثوريين بوصفهم «يبالغون في التودد للمثليين» أو لأنهم «يدمرون الأمة وأمنها» يشير ضمنيًا لإقامة رابط بين التهديد الذي يزعم أن الثوريين يشكلونه والمثلية الجنسية.

القومية المجندرة

بينما لا يذكر سوى قلة قليلة من المقالات الرجولية بصورة صريحة، فهي موضوع منتشر لا ينقطع تناوله. فقد شددت صحافة الدولة -بمساعدة المؤسسات الدينية والطبية- على أن الزواج ينبغي أن يُعقد بين رجل وامرأة وأن زواج المثليين، أو اتخاذ الأزواج المثليين أطفالًا لهم، أمر لا يمكن التسليم به. إن إضفاء طابع مَرضي على المثلية الجنسية (بين الرجال) بوصفها اضطرابًا ينشأ عن عوامل خارجية يقوم على نظرة ثنائية بين تخنث منبوذ في مقابل رجولة منشودة -فمثلًا، أقام مقال نُشر في الوطن في الخامس والعشرين من سبتمبر عام 2017 رابطًا مع «التنشئة الخاطئة» في مرحلة الطفولة، والعلاقة «الفاترة» مع الأب، والرابطة القوية أكثر مما ينبغي مع الأم («النظر إلى مشاكل الحياة من خلال عينيها») والاعتداء الجنسي في أيام الطفولة. وفضلًا عن ذلك، يُنظر إلى الرجولة نفسها على أنها عرضة للخطر بسبب المثلية الجنسية، على الوجه الذي ورد تحديده في الوطن في السابع والعشرين من سبتمبر 2017: «وتوجه رئيس مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، بالشكر والتقدير والاحترام لرجال النيابة، ورجال الداخلية، على سرعة التعامل مع هذا البلاغ بغية الحفاظ على قيم الأخلاق العربية، وعلى ثوابت الهوية المصرية، ودفاعًا عن النخوة والرجولة، ومحاربة الفساد الأخلاقي».

وتصوَّر مصر نفسها على أنها ضعيفة – نتيجة لثورتين شهدتهما على مدى العقد المنصرم (حيث يعرّف الانقلاب الذي وقع في عام 2013 على أنه ثورة). وتتشابه هذه الهشاشة مع تلك التي تُنسب لمصر القومية القائمة على النوع الاجتماعي والسائدة منذ أواخر القرن التاسع عشر؛ حيث تؤنَّث مصر وينبغي العمل على حمايتها- حتى أن السيسي صّوِّر في صورة «الرجل» الذي ينقذ مصر «المرأة»،[86] ووردت الإشارة إليه في حالات كثيرة باعتباره «المخلص» الذي يحرر البلاد من الإخوان المسلمين.[87] ولا تتناسب المثلية الجنسية مع الخطاب الذي تعتمده قومية تكتسي طابعًا عسكريًا وتتدثر بدثار ديني، وتهدد إعادة إنتاج رواية أبوية للأمة مبنية على الهويات الجنسية الغيرية.[88]

وتتماشى دراسة جنسانية الأفراد في أشكال الخطاب الذي يتناول القومية مع منطق أخلاقي، وهو واحد من أربعة وجوه متقاطعة من المنطق الذي يضفي طابعًا أمنيًا على دولة الأمن الإنساني.[89] ففي الوقت الذي غالبًا ما يمثَّل فيه سلوك المرأة في كلا الحيز العام والحيز الخاص على أنه يرمز إلى شخصية الأمة، فإن «قضية علم قوس قزح» توضح الطرق التي تؤكد من خلالها «دولة الأمن الإنساني»[90] التي تزعم الدفاع عن النخوة والرجولة الأفكار المهيمنة للرجولة التي ترتبط ارتباطًا لا ينفصم عن الهوية القومية.

خاتمة

منذ عام 2013، لا يزال تفاعل المسئولين المصريين وتعاملهم مع مجتمع الميم/عين يتسم بقدر متزايد من القسوة. وفي وسع المرء رؤية أحد الأمثلة الصارخة على ذلك في حالة ردود أفعال وسائل الإعلام المتصلة بحادثة علم قوس قزح، التي أسفرت عن حملة شُنت لقمع مثليي الجنس، وفي الجدل الذي دارت رحاه في وسائل الإعلام المصرية، خاصة تلك التي تخضع لرقابة الدولة وتملك الدولة جانبًا منها. فلم تثر «قضية علم قوس قزح» إفراطًا في التغطية الإعلامية فحسب، وإنما أثارت هلعًا أخلاقيًا أيضًا. ومع ذلك، لم تكن ردة فعل وسائل الإعلام على «قضية علم قوس قزح» من باب الكراهية العشوائية للمثلية الجنسية، وإنما كانت تكتيكًا واعيًا خدم الرواية القومية التي تعتمدها حكومة السيسي. وفي أعقاب ثورة عام 2011، لا سيما بعد انقلاب عام 2013، وُظفت القومية المجندرة باعتبارها عاملًا كانت الحاجة إليه ماسة للوحدة، وباعتبارها أيديولوجيا مضادة للحركة الإسلامية، التي تتجسد في جماعة الإخوان المسلمين. ومثلما جرى توظيف «قضية كوين بوت» لدعم شعبية مبارك التي كانت تذوي وتتلاشى في وقت حرج، استُخدمت «قضية علم قوس قزح» من جانب نظام السيسي الذي يكافح في سبيل إضفاء صفة شرعية على نفسه، ويعتمد على الخطاب القومي اعتمادًا كبيرًا.

وقد كشف تحليل تغطية وسائل الإعلام التي تخضع لرقابة الدولة النقاب عن «خطاب يكتسي طابعًا دينيًا ويضفي سمات أخلاقية»[91] تنتَج فيها الهوية القومية (أو يعاد إنتاجها) عن طريق تشكيل المغايرة الجنسية بوصفها مؤشرًا أساسيًا على الاختلاف عن الغرب، وعن طريق إضفاء صفة الآخر على مثليي الجنس على اعتبار أنهم يشكلون تهديدًا داخليًا وخارجيًا يحدق بالأمة المصرية. ويستخدم تشكيل هوية وجماعة قومية تتسم بالتجانس لغايات ترسيخ الصفة الشرعية المتضائلة للنظام الأمني، وسلطته الاستبدادية وأجندته السياسية القومية التي يثور الجدل حولها. وتؤمّن القومية القائمة على النوع الاجتماعي للسيسي استراتيجية «تتشكل» فيها «ثنائية جديدة بين الأمة المجردة بوصفها أمًا، كشخصية أنثوية تتسم بالعفة تطيع بحكم طبيعتها الأب وتحبه، والأشخاص الذي يخوضون الاحتجاجات باعتبارهم امرأة حرونًا وعاقرًا لا شرف لها ومهووسة بالجنس، وباعتبارهم أعداء أنفسهم».[92]

ويميط تعامل النظام مع مثليي الجنس اللثام عن قلق عميق إزاء استقرار الأمة المصرية، ويعكس الصراع المستمر على شرعية النظام الاستبدادي الذي قام في أعقاب الثورة. ويستحضر العنف المتواتر -بشقيه الخطابي والفعلي- ضد الآخر ردود أفعال عاطفية ووجدانية. ولذلك، يحتل خطاب وسائل الإعلام، التي تبسط الدولة سيطرتها عليها، أهمية بالغة بالنسبة لجهاز الدولة. فمن خلال توطيد عرى الخوف والقلق والإحساس بالتهديد في أوساط عامة المصريين، يصطنع النظام دورًا يدحر فيه «عدوًا» مشتركًا ويقهره -حيث يُثبت قدرته على الدفاع عن الأمة. وبينما تشكل الحملة القمعية في مداها ونطاقها جانبًا من الاستبداد المتزايد الذي يسم النظام، فهي تشير كذلك إلى حاجة هذا النظام لحالات الهلع الأخلاقي و«استعادة الهيمنة الذكورية». ففي هذا السياق، شكلت «قضية علم قوس قزح» محاولة لاسترداد نظام النوع الاجتماعي الأبوي، حيث برزت المساعي والمبادرات في أوساط النشطاء خلال عام 2011 والتي تثير (أو أثارت) التساؤلات عن تطبيع المغايرة الجنسية. فعن طريق استعادة هيمنة النظام الأبوي، ونشر التعددية والحد من التعبئة السياسية منذ عام 2011، ومن خلال فرض حظر على حضور الآخرين في الأمة (ووجودهم)، ومن خلال إثارة و/أو مساندة هلع أخلاقي وتقديم «عدو» معروف بين صفوف الأمة ككبش فداء، يفرض النظام عنف الدولة الذي يزعم بأن أغلبية (متجانسة) من «الشعب» توافق عليه وترضى به. فهو يتصرف كما لو كان «حاميًا» للأمة، ويضطلع بواجبه في الحكم بقبضة من حديد، ويُظهر القوة في الوقت الذي يشعر فيه بالتهديد من حضور التعددية التي يمكن أن تغير المجتمع، وتدفع السكان على المدى البعيد إلى المطالبة بالتغيير مرة أخرى.

هذا المقال كتب في الأصل باللغة الانجليزية لرواق عربي

[1] عراف، جين (2018). في أعقاب القمع: مجتمع الميم في مصر يفكر في «مستقبل قاتم» (After Crackdown, Egypt’s LGBT Community Contemplates ‘Dark Future’). مجلة إن بي آر (NPR)، 18 يونيو، تاريخ الاطلاع 4 أكتوبر 2021، https://n.pr/3ALfhKl.
[2] ننظر إلى المثلية الجنسية باعتبارها توجهًا جنسيًا، وليست مصدّرة من «الغرب» برغم أن «من تُعنى بتعريفه على أنه مثلي الجنس» أو من أفراد مجتمع الميم/عين يجب أن يوضع اليوم في سياقه الصحيح من التأريخ، وذلك فيما يتعلق بالاستعمار والعولمة النيوليبرالية، وأن يُنظر إليه من خلال منظور متقاطع متعدد الجوانب للطبقة والثقافة والنوع الاجتماعي والهياكل السياسية (راجع مكداشي، مايا (2011). حقوق المثليين باعتبارها من حقوق الإنسان: الغسل الوردي للقومية المثلية (Gay Rights as Human Rights: Pinkwashing Homonationalism). مجلة جدلية (Jadaliyya).16 ديسمبر، تاريخ الاطلاع 15 سبتمبر 2019، https://www.jadaliyya.com/Details/24855.
[3] نستند إلى ويكس وروبين عندما نتحدث عن «الهلع الأخلاقي»، حيث يعرّفانه على أنه لحظة سياسية توجه فيها الهواجس نحو الانزعاج من أقلية لا تحظى بقبول شعبي وتخالف القيم الاجتماعية، وغالبًا ما يتمحور هذا الهلع حول الجنسانية والسلامة الجسدية والأخلاق. ونتيجة لصرخات الاستنكار العامة، التي تطلق الدولة ووسائل الإعلام زمامها في أغلب الأحوال، كثيرًا ما يجري تأطير الجماعات المستهدفة باعتبارها تشكل تهديدًا للأخلاق العامة، ويمكن بناءً على ذلك سنّ القوانين التي توقع العقوبات على أفرادها. (انظر روبين، غايل (1984). التفكير في الجنس: ملاحظات على نظرية راديكالية لسياسة الجنسانية (Thinking Sex: Notes for a Radical Theory of the Politics of Sexuality). في كارول فينس (محرر)، الغبطة والخطر: استكشاف جنسانية الأنثى (PLEASURE AND DANGER: EXPLORING FEMALE SEXUALITY). بوسطن ولندن: روتلدج وكي. بول؛ وويكس، جيفري (2003). الجنسانية (SEXUALITY). لندن ونيويورك: روتلدج.
أيضًا، أمار، بول (2011). دراسات الرجولة في الشرق الأوسط: خطاب «الرجال في أزمة»، صناعات النوع الاجتماعي في الثورة (MIDDLE EAST MASCULINITY STUDIES: DISCOURSES OF ‘MEN IN CRISIS,’ INDUSTRIES OF GENDER IN REVOLUTION). مجلة دراسات المرأة في الشرق الأوسط (Journal of Middle East Women’s Studies) 7 (3)، 36-70؛ (2013أ)؛ أمن الأرخبيل. حالات الأمن البشري، وسياسة الجنسانية ونهاية النيوليبرالية (THE SECURITY ARCHIPELAGO. Human-Security States, Sexuality Politics, and the End of Neoliberalism). درهام، كارولينا الشمالية: مطبعة جامعة ديوك؛ (2013ب)؛ الثورة مستمرة (The Revolution Continues). المجلة النسوية الدولية للسياسة (International Feminist Journal of Politics)، 15 (1)، 94-99.
[4] المبادرة المصرية للحقوق الشخصية (2017). المبادرة المصرية تطالب بالإفراج الفوري عن المقبوض عليهم وتحذر من تعرضهم لأي انتهاكات داخل أماكن الاحتجاز، المبادرة المصرية تطالب الإعلام المرئي والمقروء بالتوقف عن بث خطاب الكراهية والتحريض ضد المثليين. المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، 4 أكتوبر. تاريخ الاطلاع 19 سبتمبر 2018، https://bit.ly/3Eami9n
[5] فايد، إسماعيل (2020). حول الكويرية ورطانة الأصالة (On Queerness and the Jargon of Authenticity). مدى مصر (Mada Masr)، 22 يوليو. تاريخ الاطلاع 9 سبتمبر 2021، https://bit.ly/3aIv3LE
[6] عبد الحميد، داليا (2017). المصيدة: معاقبة الاختلاف الجنسي في مصر (The Trap. Punishing sexual difference in Egypt). المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، 22 نوفمبر. تاريخ الاطلاع 19 سبتمبر 2018، https://eipr.org/sites/default/files/reports/pdf/the_trap-en.pdf
[7] منظمة العفو الدولية (2017). مصر: مشروع قانون يجرِّم العلاقات المثلية وسط حملة قمعية غير مسبوقة ضد «مجتمع الميم». منظمة العفو الدولية، 9 نوفمبر. تاريخ الاطلاع 12 ديسمبر 2017، https://bit.ly/3mhNc9b
[8] للاطلاع على مختلف استراتيجيات الشرعنة التي يعتمدها نظام السيسي، انظر يفيت، بوسماط وليمور لافي (2021). الشرعنة في مصر ما بعد الثورة: السيسي وتجديد الاستبدادية (Legitimation in post-revolutionary Egypt: Al-Sisi and the renewal of authoritarianism). مجلة خلاصة دراسات الشرق الأوسط (Digest of Middle East Studies) 30، 170-185.
[9] تونسي، سارة وعلي الرجّال (2021). كيف نجح السيسي في إعادة إنتاج الاستبداد في مصر؟. مجلة رواق عربي 26 (1)، 47-63.
[10] دياز-بونيه، راينر (2006). إعداد منهجية تحليلية لخطاب فوكو (Zur Methodologisierung der Foucaultschen Diskursanalyse)، مجلة المنتدى: البحث الاجتماعي النوعي (Forum: Qualitative Sozialforschung) 7 (1)، 1-29.
[11] نطبق في هذا المقام فكرة فوكو، التي تقول إنه يمكن دراسة علاقات القوة عن طريق تحليل أشكال الخطاب وصوره، والتي يعرفها على أنها مجموعة من البيانات التي تقدمها لغة بهدف الحديث عن موضوع في وقت معين من الأوقات. (فوكو، ميشيل (1972). أركيولوجيا المعرفة (The Archaeology of Knowledge). نيويورك: كتب بانثيون، 107.
[12] سبيفاك، غاياتري تشاكرافورتي (1985). راني من سيرمور: مقال في قراءة الأرشيف (THE RANI OF SIRMUR: AN ESSAY IN READING THE ARCHIVE ). في فرانسيس بيكر (محرر)، أوروبا ومن تصنفهم آخرين (Europe and its Others). كولشيستر: جامعة إيسيكس.
[13] كانديوتي، دينيز (2013). الخوف والغضب: النساء وعنف ما بعد الثورة (Fear and fury: women and post-revolutionary violence). منظمة الديمقراطية المفتوحة (Open Democracy)، 10 يناير. تاريخ الاطلاع 27 نوفمبر 2021،
https://www.opendemocracy.net/en/5050/fear-and-fury-women-and-post-revolutionary-violence/
[14] لونغ، سكوت (2004). في زمن التعذيب: إهدار العدالة في الحملة المصرية ضد السلوك المثلي. منظمة مراقبة حقوق الإنسان. تاريخ الاطلاع 28 نوفمبر 2021، https://www.hrw.org/reports/2004/egypt0304/egypt0304arabic.pdf
[15] عواد، جوليان (2010). معضلة ما بعد الاستعمار لحقوق المثليين في حادثة كوين بوت (The Postcolonial Predicament of Gay Rights in the Queen Boat Affair)، مجلة دراسات التواصل والدراسات النقدية/الثقافية (Communication and Critical/Cultural Studies) 7 (3)، 321، حيث تشير إلى برات، نيكولا (2007). قضية كوين بوت في مصر: الجنسانية والأمن القومي وسيادة الدولة (The Queen Boat Case in Egypt: Sexuality, National Security and State Sovereignty). مجلة مراجعة الدراسات الدولية (Review of International Studies) 33 (1)، 129-144. وانظر، أيضًا، دالاكورا، كاترينا (2014). المثلية الجنسية بوصفها ساحة معركة ثقافية في الشرق الأوسط: النظرية الدولية الثقافية وما بعد الاستعمارية (Homosexuality as cultural battleground in the Middle East: culture and postcolonial international theory)، مجلة العالم الثالث الفصلية (Third World Quarterly) 35 (7)، 1290-1306.
[16] صالح، ياسمين (2014). نشطاء دعموا سقوط مرسي ينقلبون على الجيش (Activists who backed Mursi’s fall turn against military). رويترز، 20 فبراير. تاريخ الاطلاع 19 سبتمبر 2021، https://reut.rs/3DNrO1V
[17] ماكدونالد، ألاستيرا (2019). انقلاب؟ أي انقلاب؟ مصر لا ترى ضيرًا (Coup? What coup? Egyptians see no evil)، رويترز، 4 يوليو. تاريخ الاطلاع 16 مايو 2019، https://reut.rs/3vj9734
[18] غريم، جانيس وسيلجا هاردرز (2018). تفكيك آثار القمع: نشأة تصانيف الإسلامويين المثيرة للخلاف بعد سقوط الرئيس مرسي (Unpacking the effects of repression: the evolution of Islamist repertoires of contention in Egypt after the fall of President Morsi). مجلة دراسات الحركات الاجتماعية (Social Movement Studies) 17 (1)، 1-18.
[19] هيومان رايتش واتش (2014). حسب الخطة: مذبحة رابعة والقتل الجماعي للمتظاهرين في مصر، 12 أغسطس. تاريخ الاطلاع 16 مايو 2019، https://www.hrw.org/ar/report/2014/08/12/256580. وقارن هذا مع هيومان رايتش واتش (2018). مصر: بعد 5 سنوات، لا عدالة لضحايا «رابعة»: إفلات الضباط من العقاب ومحاكمات جماعية جائرة للناجين، 13 أغسطس. تاريخ الاطلاع 16 مايو 2019، https://www.hrw.org/ar/news/2018/08/13/321410.
[20] غريم، جانيس (2019). الطعن في الشرعية: الاحتجاج وسياسة تشكيل الدالات في مصر ما بعد الثورة (Contesting Legitimacy: Protest and the Politics of Signification in Post-revolutionary Egypt’). رسالة دكتوراه. برلين: جامعة براين الحرة.
[21] عدلي، عمرو (2017). أكبر من أن تخفق: المشاريع الكبرى في مصر بعد انتفاضة عام 2011 (Too Big to Fail: Egypt’s Large Enterprises After the 2011 Uprising). مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي،
https://carnegieendowment.org/files/CMEC_65_Adly_Final_Web.pdf
[22] منظمة العفو الدولية (2019). مصر: حالة الاستثناء الدائمة: انتهاكات نيابة أمن الدولة العليا، 27 نوفمبر. تاريخ الاطلاع 13 ديسمبر 2019، https://www.amnesty.org/ar/documents/mde12/1399/2019/ar/
[23] نجيب، ريم (2020). القائد باعتباره العريس، والأمة بوصفها العروس – القومية الأبوية في ظل عبد الناصر والسيسي (The Leader as Groom, the Nation As Bride- Patriarchal Nationalism under Nasser and Sisi). مجلة الشرق الأوسط – مواضيع وفرضيات (Middle East – Topics & Arguments)، 14، 40.
[24] حمامة، محمد (2015). رؤية قانونية: عن عدم مساءلة الشرطة في قانون الإرهاب الجديد. مدى مصر، 20 أغسطس. تاريخ الاطلاع 15 سبتمبر 2019، https://bit.ly/3GXJ5XS
[25] بدر، حنان (2020). جهاز الإعلام في مصر: إرث تاريخي وإمكانيات محجوبة على وسائل الإعلام المستقلة (Egypt’s Media System: Historic Legacies and Blocked Potentials for Independent Media). مجلة الصحافة (Publizistik) 65 (1)، 64.
[26] بدر (2020)، 70-71.
[27] المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام (2017). المجلس الأعلى للإعلام يحظر ظهور المثليين أو شعاراتهم بوسائل الإعلام، 30 يونيو. تاريخ الاطلاع 15 سبتمبر 2019، https://bit.ly/2xRJoT8
[28] بدر (2020)، 71.
[29] منظمة العفو الدولية (2019).
[30] غرامشي، أنطونيو (1988). قراءة أنطونيو غرامشي: مؤلفات مختارة، 1916-1935 (The Antonio Gramsci Reader: Selected Writings, 1916-1935). نيويور: كتب شوكين.
[31] انظر حمود، روان (2019). لماذا يحتاج السيسي إلى تخليد ذكرى ثورة الخامس والعشرين من يناير، ولماذا لم يعد يحيي ذكراها؟ (Why did el-Sissi need to commemorate January 25 Revolution and why not anymore?). مدونات الشرق ()، 20 فبراير. تاريخ الاطلاع 15 سبتمبر 2019، https://bit.ly/3pcrDt2؛ فان دي بلت، جويس (2015). البحث عن الشرعية في مصر ما بعد الثورة: الدعاية والروايات المسيطرة (The Quest for Legitimacy in Postrevolutionary Egypt: Propaganda and Controlling Narratives). مجلة الشرق الأوسط وإفريقيا (The Journal of the Middle East and Africa) 6: 3-4، 253-274؛ وهبة، دينا (2020). الوجدان والعواطف والمشاركة السياسية في الثورة (المضادة) بمصر (Affect, Emotions and Political Participation in (counter) Revolutionary Egypt). رسالة دكتوراه. برلين: جامعة برلين الحرة.
[32] حمود (2019).
[33] دون، ميشيل (2019). لماذا يساعد ترامب دكتاتور مصر على ترسيخ سلطته؟ (Why is Trump Helping Egypt’s Dictator Entrench His Power?). موقع (Politico.com)، 8 أبريل. تاريخ الاطلاع 20 أكتوبر 2019، https://politi.co/3pcYVZ
[34] فهمي، جورجز (2014). الدولة المصرية والحيز الديني (The Egyptian State and the Religious Sphere). مركز كارنيجي للشرق الأوسط، 18 سبتمبر. تاريخ الاطلاع 15 أغسطس 2019، https://bit.ly/3vnATeF
[35] هاردرز، سيلجا (2013). ثورة قائمة على منطق الفعل؟ إعادة التفاوض على العقد الاجتماعي الاستبدادي في مصر في العلاقات الأوروبية المتوسطية بعد الربيع العربي (A revolution of logics of action? Renegotiating the authoritarian social contract in Egypt in Euro-Med Relations after the Arab Spring). في جاكوب، هورست، وأنيت جويمان وديلف روثي (محررون). المثابرة في أزمنة التغيير (Persistence in Times of Change). لندن: أشغايت، 108.
[36] نجيب (2020)، 40-41.
[37] مثلًا، ستولير، آن لورا (1995). العرق وتعليم الرغبة: تاريخ الجنسانية عند فوكو ونظام استعمار الأشياء (Race and the Education of Desire: Foucault’s History of Sexuality and the Colonial Order of Things). درهام، كارولينا الشمالية: مطبعة جامعة ديوك؛ أندرو، باركر، ودوريس سومير وباتريشا ييغر (1992). القوميات والجنسانيات (Nationalisms & Sexualities). نيويورك: روتلدج؛ أنثياس، فلويا ونيرا يوفال-ديفيس (محرر) (1989). الدولة القومية للنساء (Women-Nation-State). لندن: بلغراف ماكميلان؛ باراشار، سواتي، وتيكنر ج. آن وجاكي ترو (2018). إعادة النظر في الدول القائمة على النوع الاجتماعي: تخيلات نسوية للدولة في العلاقات الدولية (Revisiting Gendered States: Feminist Imaginings of the State in International Relations). نيويورك: مطبعة جامعة أوكسفورد؛ موزيس، جورج (1985). القومية والجنسانية: إمكانية الاحترام والجنسانية الشاذة في أوروبا الحديثة (Nationalism and Sexuality: Respectability and Abnormal Sexuality in Modern Europe). نيويورك: دار هوارد فرتيغ؛ موزيس، جورج (1996). صورة الرجل: تشكيل الرجولة الحديثة (The Image of Man: The Creation of Modern Masculinity). نيويورك: مطبعة جامعة أوكسفورد. وفيما يتعلق بالأمم المغايرة جنسيًا، انظر بيترسون في سبايك (1999). الهويات / القومية السياسية في الميول الجنسي المغاير (Political Identities/Nationalism as Heterosexism). مجلة المجلة النسوية الدولية للسياسة (International Feminist Journal of Politics) 1 (1)، 34-65.
[38] بولارد، ليزا (2005). تربية الأمة: سياسة الأسرة في تحديث مصر واستعمارها وتحريرها. 1805-1923 (Nurturing the Nation: The Family Politics of Modernizing, Colonizing, and Liberating Egypt. 1805-1923). بيركلي: مطبعة جامعة كاليفورنيا.
[39] بارون، بيث (2007). مصر بصفتها امرأة: القومية والنوع الاجتماعي والسياسية (Egypt as a Woman: Nationalism, Gender, and Politics). بيركلي: مطبعة جامعة كاليفورنيا.
[40] جاكوب، ويلسون تشاكو (2011). إنتاج مصر: رجولة الأفندي وتشكيل الذات في الحداثة الاستعمارية، 1870-1940 (Working Out Egypt: Effendi Masculinity and Subject Formation in Colonial Modernity, 1870–1940). درهام: مطبعة جامعة ديوك.
[41] نجيب (2020)، 41.
[42] انظر ناجيل، جوان (1998). الرجولة والقومية: النوع الاجتماعي والجنسانية في تشكيل الأمة (Masculinity and nationalism: gender and sexuality in the making of nations). مجلة الدراسات الإثنية والعرقية (Ethnic and Racial Studies) 21 (2)، 242-269؛ ناجيل، جوان (2003). العرق والإثنية والجنسانية: تقاطعات حميمة وحدود محرمة (Race, ethnicity, and sexuality: Intimate intersections, forbidden Frontiers). نيويورك: مطبعة جامعة أوكسفورد؛ كونيل، ريوين (1990). الدولة والنوع الاجتماعي وسياسة الجنس: النظرية والتقييم (The state, gender, and sexual politics: Theory and appraisal). مجلة النظرية والمجتمع (Theory and Society)، 19 (5)، 507-544.
[43] بوار، جاسبير (2007). جماعات إرهابية: القومية المثلية في أزمنة كويرية (Terrorist assemblages: Homonationalism in queer times). لندن: مطبعة جامعة ديوك؛ مكداشي (2011)؛ ويرد عليهما شوتين، سي. هايكي (2016). القومية المثلية (Homonationalism). مجلة المجلة النسوية الدولية للسياسة (International Feminist Journal of Politics) 18 (3)، 351-370.
[44] مثلًا، سلوميكرز، كوين (2019). القومية بوصفها أشكالًا متنافسة من الرجولة: رهاب المثلية الجنسية بوصفه تقنية تقوم على الأخرنة في القومية المغايرة الجنس والقومية المثلية (Nationalism as competing masculinities: homophobia as a technology of othering for hetero- and homonationalism). مجلة النظرية والمجتمع (Theory and Society) 48، 239-265.
[45] مانشباخ، ريتشارد وإدوارد رودز (2007). الدولة القومية وسياسة الهوية: مأسسة الدولة و«مؤشرات» الهوية القومية (The National State and Identity Politics: State Institutionalisation and “Markers” of National Identity). مجلة السياسة الجغرافيا (Geopolitics) 12 (3)، 426-458.
[46] سعيد، إدوارد (2008). الاستشراق. ترجمة محمد عناني. القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع، 206-208.
[47] كانديوتي، دنيز (1991). الهوية وما تثيره من استياء: النساء والأمة (Identity and its Discontents: Women and the Nation). مجلة الألفية (Millennium) 20 (3)، 429-443؛ مسعد (1995).
[48] سبيفاك (1985)، 261.
[49] انظر غريشوني، إسرائيل (1997). إعادة التفكير في تشكيل القومية العربية في الشرق الأوسط، 1920-1945: الروايات القديمة والجديدة (Rethinking the Formation of Arab Nationalism in the Middle East, 1920–1945: Old and New Narratives). في جانكونسكي، جيمس وإسرائيل غريشوني (محرر). إعادة التفكير في القومية في الشرق الأوسط العربي (Rethinking Nationalism in the Arab Middle East). نيويورك: مطبعة جامعة كولومبيا، 17-18.
[50] كونولي، ويليام (1991). الهوية / الاختلاف: المفاوضات الديمقراطية حول المفارقة السياسية (Identity/Difference: Democratic Negotiations of Political Paradox). إيثاكا، نيويورك: مطبعة جامعة كورنيل، 9؛ وانظر تشاترجي، بارثا (1993). الأمة وأشتاتها: تواريخ الاستعمار وما بعد الاستعمار (The Nation and its Fragments: Colonial and Postcolonial Histories). برينستون: مطبعة جامعة برينستون.
[51] ماكلينتوك، آن (19959. جلد إمبريالي: العرق والنوع الاجتماعي والجنسانية في الصراع الاستعماري (Imperial Leather: Race, Gender and Sexuality in the Colonial Contest). نيويورك: روتلدج؛ باراشار وآخرون (2018). 5؛ عواد (2010)، 320.
[52] العلي، ناجي (2000). العلمانية والنوع الاجتماعي والدولة في الشرق الأوسط: حركة النساء المصريات (Secularism, Gender and the State in the Middle East: The Egyptian Women’s Movement). كامبردج: مطبعة جامعة كامبردج، 19-50.
[53] جونايت، ألكساندر، وإميلي لي رينارد وإليزابيث ماتيو (2013). قوميات جنسية؟ إعادة تشكيل الجنسانيات والقوميات المعاصرة (Sexual Nationalisms? Contemporary Reconfigurations of Sexualities and Nationalisms). مجلة أسباب سياسية (Raisons politiques) 49 (1)، 5-23.
[54] مسعد، جوزيف (1995). فهم الذكر: النوع الاجتماعي والقومية الفلسطينية (Conceiving the Masculine: Gender and Palestinian Nationalism). مجلة الشرق الأوسط (Middle East Journal) 49 (3)، 467-483؛ مرنيسي، فاطمة (1975). ما وراء الحجاب: الديناميات الذكورية والأنثوية في المجتمع المسلم المعاصر (Beyond the veil: male-female dynamics in a modern Muslim society). كامبردج، ماساتشوستس: شركة شينكهام للنشر؛ بوحديبة، عبد الوهاب (1975). الجنسانية في الإسلام (La sexualité en Islam). باريس: مطبعة جامعات فرنسا؛ شيبيل، مالك (1984). الجسد في التقاليد المغاربية (Le Corps dans la tradition au Maghreb). باريس: مطبعة جامعات فرنسا؛ مالتي-دوغلاس، فدوى (1991). جسد المرأة، كلمة المرأة: النوع الاجتماعي والخطاب في الكتابات العربية الإسلامية (Woman’s Body, Woman’s Word: Gender and Discourse in Arabo-Islamic Writing). برينستون: مطبعة جامعة برينستون.
[55] باور، توماس (2011). ثقافة الغموض (Die Kultur der Ambiguität). برلين: سوركامب؛ الروهيب، خالد (2005). قبل المثلية الجنسية في العالم العربي والإسلامي، 1500-1800 للميلاد (Before Homosexuality in the Arab and Islamic World, 1500-1800 CE). شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو.
[56] حبيب، سمر (2007). المثلية الجنسية بين الإناث في الشرق الأوسط: التواريخ والتمثيل (Female Homosexuality in the Middle East: Histories and Representation). نيويورك: روتلدج؛ حبيب، سمر (محرر) (2010). الإسلام والمثلية الجنسية (Islam and Homosexuality). سانتا باربرا: مطبعة إي بي سي- كليو؛ باتاني، فينسينو (2006). المثلية الجنسية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (Homosexuality in the Middle East and North Africa). في ألدريخ، روبرت (محرر). حياة المثليين وثقافتهم: تاريخ عالمي (Gay Life and Culture: A World History). لندن: شركة تيمز وهدسون المحدودة.
[57] مسعد، جوزيف (2006). العرب الراغبون (Desiring Arabs). شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 162-163.
[58] عواد (2010)، 320.
[59] ويتيكر، بريان (2014). حب لا يمكن البوح به. حياة المثليين والمثليات في الشرق الأوسط (Unspeakable Love. Gay and Lesbian Life in the Middle East). لندن: مكتبة دار الساقي.
[60] مؤمن، رحمان (2014). حقوق الكويريين وتكوين منظور ثلاثي للصفة الاستثنائية الغربية (Queer Rights and the Triangulation of Western Exceptionalism). مجلة حقوق الإنسان (Journal of Human Rights) 12 (3)، 275.
[61] رحمان (2014)، 281.
[62] برات (2007)، 129.
[63] عواد (20120)، 322.
[64] عواد (20120)، 321، في معرض إشارتها إلى برات (2007).
[65] فايد (2020).
[66] حافظ، شيرين (2012). لا مساومة بعد الآن: النساء والرجولة والانتفاضة المصرية (No longer a Bargain: Women, masculinity, and the Egyptian uprising). مجلة علماء الاثنولوجيا الأمريكيين (American Ethnologist) 39 (1)، 37-42؛ حافظ، شيرين (2014). الثورة لن تمر عبر أجساد النساء: مصر والانتفاضة وسياسة النوع الاجتماعي (The revolution shall not pass through women’s bodies: Egypt, uprising and gender politics). مجلة دراسات شمال إفريقيا (The Journal of North African Studies) 19 (2)، 172-185؛ قادري، أحمد (2015). النوع الاجتماعي وميدان التحرير: معارضة الدولة وتخيل أمة جديدة (Gender and Tahrir Square: contesting the state and imagining a new nation). مجلة الأبحاث الثقافية (Journal for Cultural Research) 19 (2)، 199-206؛ كانديوتي، دنيز (2011). وعد وخطر: النساء و«الربيع العربي» (Promise and Peril: Women and the ‘Arab spring’’). مجلة الديمقراطية المفتوحة (Open Democracy)، تاريخ الاطلاع 1 ديسمبر 2021، http://www.opendemocracy.net/5050/deniz-kandiyoti/promise-and-peril-women-and-%E2%80%98arab-spring%E2%80%99؛ وهبة، دينا (2016). جندرة الثورة المصرية (Gendering the Egyptian Revolution). في فاطمة صديقي. الحركات النسوية في شمال إفريقيا حقبة ما بعد «الربيع العربي» (Women’s Movements in Post-‘Arab Spring’ North Africa). بلغراف ماكميلان: نيويورك.
[67] مكي، مريم (2018). دولة الرقابة البوليسية: الذعر الأخلاقي والذكورة في مصر بعد 2011. مجلة كحل: مجلة لأبحاث الجسد والجندر، 4 (1)، 95.
[68] المصدر السابق، 98.
[69] المصدر السابق.
[70] أمار، (2011)، 40.
[71] بنى دياز-بونيه منهجيته على فوكو (1981)، ولكنه لا يفهم الخطاب على أنه بنية تتألف من بيانات، وإنما بوصفه ممارسة بنيوية كذلك. فالخطاب نفسه لا يمكن «قراءته» ببساطة، فهو بنية إلى حد يمكن معه إيجاد منظومة من القواعد في مجموعة من البيانات المترابطة ويمكن إعادة بنائها من ناحية أربعة جوانب مختلفة تبناها دياز-بونيه من نظرية الخطاب التي وضعها فوكو: الأعيان، والمفاهيم، وموضع المتكلم، والاختيارات الإستراتيجية / الموضوعية. انظر دياز-بونيه، راينر (2006). التحليل التفسيري بوصفه موقفًا منهجيًا (Die interpretative Analytik als methodologische Position). في بريغيت كريشنر وسيلكه شنايدر (محرر). فوكو: تحليل خطاب السياسة (Foucault: Diskursanalyse der Politik). وايزبادن: دار نشر في إس للعلوم الاجتماعية.
[72] للاطلاع على مجموعة البيانات المتصلة بما يلي من تحليل، انظر مستودع البيانات على الموقع https://rb.gy/ytq2gc، الذي أنشأه المؤلف في سبتمبر عام 2020.
[73] بدر (2020)، 68.
[74] بهجت، حسام (2017). تفاصيل استحواذ المخابرات العامة على «إعلام المصريين». مدى مصر، 21 سبتمبر. تاريخ الاطلاع 15 سبتمبر 2019، https://bit.ly/3E8QTnB
[75] حجبت وسائل إعلامية أخرى نقلت الأخبار عن هذا الموضوع، مثل مدى مصر، حيث لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق شبكة إلكترونية خاصة. وبما أن هذه الوسائل هامشية في المشهد الإعلامي المصري، فهي لا تعد مناسبة لتحليل الخطاب العامة والخطاب الذي تنظمه الدولة.
[76] دار الإفتاء المصرية هي المؤسسة الإسلامية المصرية التي تديرها الدولة وتتولى إصدار الفتاوى وتفسيرات الشريعة الإسلامية.
[77] العلي (2000)، 42.
[78] برات (2007)، 137.
[79] المصدر السابق، 138.
[80] شمس الدين، مي (2017). الأزهر ونظام 30 يونيو: حذر لا يُعطل المسار. مدى مصر، 30 يونيو. تاريخ الاطلاع 15 سبتمبر 2019، https://bit.ly/3yKsRhY
[81] صبري، باسم (2013). فهم القومية المصرية (Understanding Egyptian Nationalism). مجلة المراقب (Al Monitor)، 9 سبتمبر. تاريخ الاطلاع 15 سبتمبر 2019، https://bit.ly/2YWjIp5
[82] انظر برات (2007)، 141.
[83] يحظر على العديد من منظمات حقوق الإنسان (الدولية) العمل في مصر، وليس ذلك لأنها ترى أن حقوق المثليين باعتبارها من حقوق الإنسان فحسب، بل بسبب الانتقاد الذي توجهه للنهج الذي تتبعه الدولة في معاملة السجناء السياسيين والمعارضين وغيرهم من أبناء الأقليات.
[84] رحمان (2014)، 134.
[85] تساريغورودتسيفا، إيرينا (2017). الاشتراكيون الثوريون في مصر ما بعد «الربيع العربي» (The Revolutionary Socialists in Post-“Arab Spring” Egypt). مجلة الاشتراكية والديمقراطية (Socialism and Democracy) 31 (1)، 134.
[86] انظر، مثلًا، أعمال رسام الكاريكاتور أحم قاعود، http://www.youm7.com/3856264
[87] تشاكرافارتي، ليلى (2014). من الرجل القوي إلى الرجل الخارق: السيسي مخلص مصر (From Strongman to Superman: Sisi the saviour of Egypt). مجلة الديمقراطية المفتوحة (Open Democracy)، 28 أبريل. تاريخ الاطلاع 2 ديسمبر 2021، https://rb.gy/0jrqyt
[88] المصدر السابق.
[89] أمار (2013أ)، 6.
[90] المصدر السابق، 17.
[91] المصدر السابق، 6.
[92] نجيب (2020)، 51.

Read this post in: English

اظهر المزيد

ريكاردا أميلينج

مرشحة دكتوراه وباحثة بجامعة برلين الحرة، تركز أبحاثها على العواطف وتأثيراتها في سياق التحولات السلطوية بمصر، وكذلك التحولات السياسية والثقافية المعاصرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ودراسات الجندر، ونظريات مابعد الكولونيالية والنقدية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى