رؤى: ثلاث مستويات من الصراع، كيف تؤثر القوى الخارجية على فرص حل النزاع في ليبيا

حمل هذا المقال كبي دي إف

تسهم ديناميكيات القوة الإقليمية والدولية في تأجج النزاعات المحلية في ليبيا وسوريا واليمن والعراق وتزيد من تطورها، مستفيدة – ولو قليلاً- بشكل مباشر منها. إذ تقبع هذه البلدان في مستنقع من صراعات القوى الخارجية والداخلية على حد سواء.

ففي حالة ليبيا يتجلى بشكل واضح هذا التشابك بين المصالح الجيوسياسية الإقليمية والدولية، ويزيد المشهد الاستقطابي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من تعقد الأزمة، بينما تمارس القوى الخارجية أدوارًا واضحة في دعم بعض الأطراف المتصارعة وتقويض الأخرى، الأمر الذي يجعل الحروب بالوكالة في الشرق الأوسط مستعصية الحل، ويعرقل العديد من المساعي المحلية لحل النزاع.

فإن كنا نبحث فرص عودة الأمن والاستقرار سواء لليبيا أو إقليميًا، فلا بديل عن تحديد مستويات الصراع الثلاثة، المحلية والإقليمية والدولية (العالمية)، ومعالجتها بطريقة تكاملية. هذه المستويات الثلاثة المتداخلة تغذي وتؤثر على بعضها البعض على نحو لا يتحكم فقط في تأجيج الصراع، وإنما في مواجهته وتسويته أيضًا. لذا يفترض أن تراع خطة مواجهة الصراع في ليبيا كافة أبعاده المحلية والإقليمية والعالمية والتكامل والتشابك فيما بينها، فضلاً عن بحث سبل الحد من التأثير الأمني الممتد إقليميا للصراع خارج حدود ليبيا.

إن القوى الخارجية لا يمكنها وحدها تحقيق السلام في نزاع محلي، ولكن على العكس قد تسهم في مد أمده؛ سواء من خلال دعم بعض الفصائل المتحاربة (سياسيًا أو ماليًا أو عسكريًا) على نحو يخل بتوازنات القوى؛ أو من خلال تقويض الإطار الناظم الذي يمكن  للجهات الفاعلة المحلية من خلاله التفاوض على التسوية.

وفي هذا المقال نفترض أنه في الوقت الذي تدعم فيه القوى الخارجية أطرافًا وتقوض أخرى، فإن تفاعل المصالح الجيوسياسية الإقليمية والعالمية المرتبطة باستمرار الصراع المحلي تسهم في تقويض احتمالات تسوية الصراع. وتحديدًا في الحالة الليبية، يشكل التشابك والتعارض بين مصالح المستويات الثلاثة للصراع، المحلية والإقليمية والدولية، حائلاً أمام فرص المصالحة الوطنية.

ثلاث مستويات من الصراع

وفقًا للبنية الثلاثية لمستويات الصراع المذكورة أعلاه، يمثل المستوى المحلي للصراع حجر الزاوية، ويتمحور بالأساس حول مسألة الحكم، من يحكم الدولة؟ ووفقًا لأي نظام؟ وفي معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، تسهم الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المتردية في خلق صراعات حادة بدرجات متفاوتة.  فمعاناة أعداد هائلة من الشباب من البطالة، والنقص الحاد في توافر الخدمات الأساسية بفاعلية، وعدم وجود إصلاحات مؤثرة ذات جدوى، والحكومات الفاسدة، والقمع بمختلف صوره، كل هذا يخلق سياقًا محتدًا أشبه بقنبلة موقوتة، هذا بالإضافة إلى التكلفة طويلة الأمد لسفك الدماء في بلدان كالعراق وسوريا واليمن وليبيا، وهو ما يجعل الانتفاضة الشعبية القادمة، وربما الصراع المسلح، مسألة وقت.

أما المستوى الثاني للصراع، المستوى الإقليمي، فهو غالبا متعلق بدرجة أهمية وتأثير الدولة محل النزاع ونفوذها السياسي والاقتصادي إقليميا. ففي سوريا مثلاً، يتمحور الصراع في مستواه الإقليمي حول مّن بإمكانه استغلال الصراع المحلي داخل سوريا ليحظى بسطوة ونفوذ أوسع ليس في سوريا فحسب وإنما في المشرق العربي ككل. وفي هذا المستوى من الصراع لا يهم مصلحة سوريا كدولة ولا حقوق ومصالح شعبها، وإنما تكمن المصلحة في استغلال الصراع المحلي السوري في مزيد من النفاذ السياسي والاقتصادي داخل الدولة (سوريا) وداخل الإقليم الذي تعد سوريا أحد مراكز قوته (المشرق العربي).

وفي هذا المستوى من الصراع، ترسم الركائز الرئيسية للجغرافيا السياسية وتوزيع ثقل مراكز القوى في الشرق الأوسط قواعد اللعبة، بما في ذلك الثقل المتزايد لبعض القوى الإقليمية غير العربية والطموحة مثل إيران وتركيا، فنرى ثقلًا كبيرًا للاستقطاب بين إيران من جهة وبين جبهة سعودية إسرائيلية ناشئة وحلفائها من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى الحروب بالوكالة في سوريا واليمن وليبيا كنتائج إضافية لتلك المواجهة بين الأطراف المتصارعة إقليميًا، وخلافاتها حول القضايا السياسية المحورية التي تقسم المنطقة، مثل الملف النووي الإيراني والصراع العربي الإسرائيلي. هنا تتعقد الصورة، وتغيب الحدود الفاصلة بين هوية وأدوار الدول والأطراف واللاعبين الجيوسياسيين غير الحكوميين عابري الحدود.

أما المستوى الدولي والثالث للصراع، ففيه تغيب أهمية الدولة محل الصراع، وتتدخل السياسية العالمية في ساحة الصراع المحلية، فتحتكم عملية التفاوض للقواعد العالمية ووزن ونفوذ كل لاعب سياسي ضمن عملية التفاوض، وبذلك يصبح النفوذ هو “عملة القوة” في إعادة تشكيل النظام العالمي. فمثلاً تستخدم الولايات المتحدة وروسيا الصراع المحتدم في سوريا للضغط على المنافسين في الساحات الجيوسياسية الأخرى، فتصبح سوريا ساحة لسباق “فرض النفوذ بالقوة” بين قوى إقليمية وأخرى دولية تسعى لفرض نفوذها بين أقرانها. فمثلاً تبحث روسيا- من خلال سوريا- عن نفوذ جديد بالمنطقة بعدما أدى غزوها لشبه جزيرة القرم لعزلها دوليًا. وقد عزز اهتمام أوروبا الشديد بتطورات الحرب في سوريا موقف موسكو تجاه الغرب الذي عارض بشدة تدخل روسيا في أوكرانيا.

الحالة الليبية

على المستوى المحلي، يتمحور الصراع في ليبيا- كما سوريا- حول شروط الحكم. من يحكم ليبيا ووفق أي نظام؟ كيف تُدار الثروة النفطية الوطنية، وكيف يمكن مشاركتها؟ كيف تستعيد الدولة احتكارها للقوة المسلحة دون أن تعصف بأمن البلاد؟ كيف يمكن بلوغ العدالة بين أطراف محلية متصارعة مع بعضها البعض، ومع الكيان الحاكم، دون اللجوء لتقسيم الدولة؟

منذ التدخل العسكري بقيادة الناتو في 2011 مطيحًا بمعمر القذافي، عانت ليبيا من أجل بلوغ وضع سياسي وأمني مستقر وآمن ومتوازن. وفي عام 2015، أسفرت وساطة الأمم المتحدة عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني، ومقرها طرابلس، التي كان يفترض أن تسعى لسد الفجوات بين الأطراف المتصارعة داخل ليبيا، لكنها فشلت في اكتساب شرعية واسعة، ولم يعترف بها “حفتر” وحلفاؤه. فانقسمت السلطة السياسية بين حكومتين متنافستين أحدهما في طرابلس والأخرى في طبرق. الأمر الذي أعطى الفرصة لمجموعة من الجهات الفاعلة –بما في ذلك الجماعات المسلحة ودول المدن والقبائل[1] للتنافس على السلطتين المحلية والإقليمية، وقد ساهم ضعف المؤسسات المركزية والتحركات المحلية المرتجلة في تعزيز قدرة هذه المجموعات على دخول المنافسة، رغم فاعلية بعض عناصر الاقتصاد والحكم.

تتوزع السيطرة على الأراضي الوطنية الليبية بين حكومة الوفاق الوطني في طرابلس برئاسة فايز السراج من جهة، وبين “الجيش الوطني الليبي” بقيادة “خليفة حفتر” المتحالف مع مجلس النواب المتمركز في طبرق من جهة أخرى، بالإضافة إلى مجموعة من الميليشيات المسلحة القوية التي تسيطر على بعض الأراضي سعيًا وراء الثروة النفطية والبنية التحتية الحيوية وفرص التهريب، كما لايزال لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ولتنظيم القاعدة عناصر موجودة ونشطة رغم فقدنهما معقلهما الإقليمي.[2]

على الجانب الأخر، تسعى بعثة الأمم المتحدة، برئاسة الممثل الخاص للأمين غسان سلامة، إلى الخروج من المأزق الليبي من خلال تعزيز المصالحة الوطنية ودعم الجهود الليبية لإيجاد صيغة حكم تصطف حولها جميع الفصائل الرئيسية المتحاربة. وفي سبيل ذلك قدم “سلامة” خطة عمل في2017 تتضمن استمرار وقف إطلاق النار، وعقد مؤتمر وطني شامل واتفاق بين الفصائل المتناحرة في ليبيا، بهدف التوافق على دستور جديد وقانون انتخابي، فضلًا عن الاستعداد لانتخاباتٍ كان يفترض إجراؤها بحلول نهاية 2018. إلا أنه ورغم مساعي البعثة للمصالحة السياسية، إلا أن كفاءة “سلامة” تآكلت تدريجيًا بسبب المصالح المالية والسياسية المكتسبة للأطراف الرئيسية المعنية، والمستفيدة جميعها من الوضع الراهن ومن ثم تفتقر لدوافع التسوية. كما أثار دعم “سلامة” للانتخابات المبكرة جدلًا حول مدى استعداد ليبيا للانتخابات، في ظل افتقارها للإجماع الوطني على نحو يضعها أمام خطر التقسيم.

في هذا السياق العام، وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، مارست دولًا عدة أدوارًا مهمة، وإن كانت غير مفيدة في كثير من الأحيان. فمن ناحية دول الجوار(مصر والجزائر وتونس)، والقوى الإقليمية (الإمارات العربية المتحدة وتركيا وقطر) من ناحية أخرى، فضلا عن أعضاء حلف الناتو(فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة) بالإضافة إلى روسيا، ساهموا جميعهم في دعم أطراف فاعلة مختلفة داخل ليبيا، كلاً حسب مصالحه وأولوياته الخاصة.

على المستوى الإقليمي، تمحورت اهتمامات القوى الإقليمية في ليبيا حول مجموعتين رئيسيتين من القضايا، هما المخاوف الأمنية العاجلة، وسباق القوة الإقليمي.

ففيما يتعلق بالمجموعة الأولى، سعت هذه القوى بالأساس إلى احتواء التبعات الأمنية للصراع في ليبيا، والحيلولة دون امتدادها للبلدان المجاورة بما في ذلك التطرف والأسلحة والهجرة. فقد تقاسمت، مصر والجزائر وتونس، مخاوف مشروعة من احتمالية انتشار الفوضى الأمنية عبر الحدود من ليبيا إلى أراضيها.

أما مسألة سباق القوة، فترتبط بمنافسة مستمرة وممتدة في الشرق الأوسط الكبير، تقف فيها القوى الإقليمية المختلفة في مواجهة بعضها البعض، وبناء عليه تختار هذه القوى الإقليمية المختلفة دعم الفصائل الليبية وفقًا لتفضيلاتها وانتماءاتها السياسية الخاصة على نحو يخدم موقعها من المنافسة.

تلعب مصر- شأنها شأن غيرها من القوى الإقليمية- دورًا رئيسيًا في الحرب الأهلية الليبية، انطلاقًا من قلق أمني مشروع على حدودها الغربية، لذا تدعم فكرة “الحكم الذاتي” بمنطقة برقة شرق ليبيا، الموقف الذي يفسره البعض على أنه رغبة في إنشاء محمية مصرية بحكم الواقع  في شرق ليبيا. إلا أنه وبالنسبة للقاهرة، فإن سيطرة زعيم صديق لمصر “حفتر” على برقة من شأنه أن يخلق منطقة عازلة مع داعش، ومنطقة نائية إقليمية تعرقل نمو أي معارضة لنظام السيسي.[3] إذ يخشى نظام السيسي من أن تصبح الحدود الشرقية لليبيا ملاذًا آمنًا للميليشيات الإسلامية، يتدفق من خلالها المقاتلون والأسلحة بحرية لشبه جزيرة سيناء. ويعزز وجود العديد من الجماعات الجهادية في مصر وليبيا القلق من هذا التهديد.

من هذا المنطلق، تعد القاهرة حليفًا وثيقًا للجنرال حفتر، ترسل له الأسلحة منتهكة قرار مجلس الأمن 1970/2011، حسب تقارير لجنة العقوبات بالأمم المتحدة، كما تزود مصر جيش التحرير الوطني بقيادة “حفتر” بالذخيرة والأسلحة والمعدات العسكرية، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر الهجومية والطائرات المقاتلة، فضلاً عن التدريب. هذا بالإضافة إلى غارات جوية مباشرة أطلقتها القاهرة ضد معاقل خصوم حفتر.[4] كما أنه وبعد قتل خلية ليبية تابعة لتنظيم داعش لـ 21 قبطيًا في 2015 وقطع رؤوسهم، شنت مصر غارات جوية على مواقع داعش في مدينتي درنة وسرت الليبيتين.[5]

تعرقل هذه الأعمال نجاح مساع عملية المصالحة التي تقودها بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، رغم ادعاءات القاهرة تأييدها، وضغوط مصر المستمرة- بمساعدة جهات إقليمية ودولية أخرى منها الإمارات وروسيا وفرنسا – من أجل قبول حفتر على طاولة المفاوضات الدولية.

على الجانب الأخر، أبدت كل من تونس والجزائر اعتراضات على مسار مصر الأحادي الجانب في ليبيا. ورغم أنهما لا يحظا بنفوذ وتأثير مصر في هذا الملف، نجحا في الحصول على مقعدين على طاولة المفاوضات، دعما من خلالهما جهود المصالحة الأممية، بينما ينسقا عن كثب فيما بينهما لتقليل التداعيات الأمنية التي يسببها الوضع الليبي في أراضيهما، وخاصة بعدما تعرضت الديمقراطية الهشة في تونس للتهديد من قبل متطرفين مسلحين تم تدريبهم في معسكرات عبر الحدود مع ليبيا.

وبغض النظر عن المخاوف الأمنية العاجلة لدول الجوار، فقد أصبحت ليبيا بشكل متزايد ساحة بالوكالة للتوترات الإقليمية الأوسع بين تركيا وقطر من جهة، والإمارات العربية المتحدة ومصر من جهة أخرى.[6]

يحاكي دعم حكومة السيسي للجنرال حفتر الأزمة المحلية في مصر، ونهج الرجل العسكري القوي في القاهرة في اقتلاع السلطة الإسلامية بأي ثمن. إذ يعتبر السيسي الإسلاميين تهديدًا لحكمه وأمنه الإقليميين. وتشترك دولة الإمارات العربية المتحدة في هذا التفضيل السياسي الإقليمي مع القاهرة، حيث تسعى الإمارات إلى منع منافستها الخليجية قطر من التدخل في ليبيا، إلا أن المواقف الإماراتية كانت أكثر انتقائية كونها لا تتشارك الحساسية المصرية للأخطار الجغرافية. ولكن بشكل عام، تعد الإمارات داعمًا قويًا لحفتر. فوفقًا لتقرير صادر عن لجنة العقوبات الليبية بالأمم المتحدة، كانت الإمارات تشغل قاعدة عسكرية في منطقة الخادم الليبية، على بعد حوالي 100 كيلو متر شرق بنغازي، وهي أكبر قاعدة عسكرية إماراتية في الخارج. كما أثبت التقرير أن دولة الإمارات العربية المتحدة وفرت طائرات هليكوبتر هجومية وطائرات عسكرية أخرى للجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر، في انتهاك للعقوبات الدولية التي تدعمها الأمم المتحدة. [7] وفي ذلك تجدر الإشارة إلى أن الإمارات قللت من مشاركاتها في ليبيا، منذ تدخلها في اليمن بمشاركة السعودية.

من ناحية أخرى، تدعم كل من قطر وتركيا الفصائل المتناحرة ذات النزعة الإسلامية المعادية لحفتر، لأسباب أيديولوجية واقتصادية. ففيما أمدت تركيا تحالف فجر ليبيا- الذي فشل في الاستمرار- بالأسلحة، تحتفظ قطر بصلات مع عبد الحكيم بلحاج وهو شخصية سياسية ليبية ذات نفوذ وتاريخ جهادي، إلا أن نفوذ تركيا وقطر على حلفائهما الليبيين أقل بكثير من ذاك الذي تتمتع به الإمارات ومصر في طبرق. [8]

أما على المستوى الدولي، فثمة مجموعة كبيرة من الأسئلة تتمحور حولها الجهات الفاعلة. بداية من، كيف يمكن التحايل على المزيد من التداعيات الأمنية عبر بلاد المغرب والساحل؟ وكيف يمكن منع المزيد من زعزعة الاستقرار الداخلي للاتحاد الأوروبي نتيجة تدفق المهاجرين غير النظاميين من ليبيا؟ مرورًا ببحث تأثير ليبيا، التي تنتشر فيها الفوضى، على انتشار التطرف المسلح. وصولاً إلى أسئلة تتعلق بمّن يحل محل القيادة الأمنية الأمريكية في شرق أوسط ما بعد الولايات المتحدة؟ وطبيعة دور روسيا في الشرق الأوسط والبحر المتوسط، وإلى أي درجة ستفعِّل روسيا نفوذها المتزايد في ليبيا والبحر المتوسط من أجل بسط نفوذها على أوروبا وفي الساحات الجيوسياسية الأخرى؟

رحب الليبيون في بادئ الأمر بالتدخل العسكري بقيادة حلف شمال الأطلسي عام 2011 –الذي تأسس بناءً بقرار مجلس الأمن الدولي 1973– إلا أن الفراغ الأمني الذي أعقب التدخل أثار الكثير من الجدل حوله، لاسيما بسبب غياب المتابعة من جانب القوى المتدخلة، مما أضاف أبعادًا جديدة لمشاكل ليبيا الحالية. فقد حرر التدخل العسكري –كما أكد النقاد– الأسلحة الضخمة في ليبيا من مخازنها، وأدى لظهور الجماعات المتطرفة، كما زاد من حدة الصراع في سوريا بعدما توفرت بيئة حاضنة لنمو جماعات المقاتلين الأجانب.[9]

واليوم، هناك عدة أسباب تدفع الولايات المتحدة وأوروبا للاهتمام بليبيا. ففضلًا عن تصدير ليبيا أعدادًا كبيرة من المقاتلين الأجانب لسوريا، تحولت ليبيا لمعقل خصب للخلايا الإرهابية، وسط فراغ سياسي مقلق بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا. هذا بالإضافة إلى مخاطر زعزعة الاستقرار في الدول المجاورة، بما فيها مصر وتونس والجزائر ومالي وتشاد والنيجر. وفي السياق نفسه، تشعر كل من أوروبا والولايات المتحدة بالضجر من روسيا التي تسعى للحصول على نفوذ إقليمي أكبر، بما في ذلك النفاذ البحري الاستراتيجي للبحر المتوسط من خلال خلق قلاقل في ليبيا. [10]

رغم هذه المخاوف، سرعان ما تراجعت ليبيا في قائمة أولويات الولايات المتحدة بعد التدخل العسكري للناتو في 2011. حيث أدى اغتيال السفير الأمريكي “ستيفنز” وآخرين في بنغازي في سبتمبر 2012 إلى تخفيض التواجد الأمريكي في ليبيا، والذي تمحور اهتمامه بين عامي 2015 و2017، على دعم حكومة الوفاق الوطني في استهدافها لداعش، بما في ذلك دعمها بالغارات الجوية الأمريكية.

تكررت الدعوات إلى تدخل أمريكي أوسع في ليبيا، خاصةً من أوروبا، والتي أكدت أن على الولايات المتحدة استخدام نفوذه للتأثير على القوى الخارجية التي قوض تدخلها مجريات عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة. ومع ذلك، وبخلاف اهتمامها بليبيا كنقطة محورية في حربها العالمية ضد الإرهاب، فإن الولايات المتحدة وأوروبا لا تتشاركان درجة القلق ذاته من زعزعة ليبيا للاستقرار الإقليمي ومن انتشار الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، حيث كان الموقف السائد في واشنطن هو أن ليبيا مشكلة يجب أن تتصدى لها بالأساس أوروبا، بالتعاون مع شركائها الأفارقة. [11]

أظهر الاتحاد الأوروبي رغبة أكبر بكثير في المشاركة السياسية والعسكرية في ليبيا، مقارنةً برغبته في المشاركة في أي من المناطق الساخنة الأخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. قد تكون دوافع أوروبا للتدخل المبكر متعلقة بمزيج من التأثير المباشر لانعدام الأمن الليبي على التماسك الأوروبي، إلى جانب حقيقة ترفع الولايات المتحدة تست عن التدخل لمواجهة الصراع.

قادت فرنسا والمملكة المتحدة، بالتعاون مع الدول العربية وبدعم من بقية أعضاء الاتحاد الأوروبي، في ربيع 2011، تحركًا دبلوماسيًا في الأمم المتحدة، أعقبه التدخل العسكري في ليبيا. وبعدما انهار الإجماع السياسي الداخلي الهش بين مختلف الفصائل الليبية، بقيت أوروبا، على عكس الولايات المتحدة، حاضرة ونشطة على الساحة الليبية. ورغم أن دور الأوروبيين النشط في ليبيا كان مثيرًا للجدل في بعض الأحيان، إلا أن الاتحاد الأوروبي يحتفظ بدور رائد في دعم عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة. [12]

نظرًا لقربها –حيث تقع إيطاليا على بعد 290 ميلًا فقط من الساحل الليبي– تشعر أوروبا بشكل أكثر إلحاحًا بالحاجة للتعامل مع التحديات الأمنية في ليبيا. ويرى صانعو السياسة الأوروبيين –المتورطين في أزمة الشعبوية اليمينية التي تسببها الهجرة، والتماسك الداخلي المهدد بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي– ليبيا من منظوري الأمن والهجرة.

تمثل ليبيا ممر الهجرة من جنوب الصحراء إلى أوروبا، حيث تحولت ولاية فزان الجنوبية الليبية –التي يسهل النفاذ من خلالها– إلى الحدود الجنوبية الفعلية لأوروبا.[13] لذا كانت قضايا احتواء الهجرة والتعاون الأمني في صلب تدخل الاتحاد الأوروبي في ليبيا، على حساب دعم أوسع وأعم لبناء الدولة الليبية. وقد كانت منظمات حقوق الإنسان قد انتقدت بحدة تعامل الأوروبيين على مع المهاجرين غير النظاميين في معسكرات العبور على الأراضي الليبية، رغم الظروف غير الإنسانية الموثقة لهذه المعسكرات.

كما أدى الزحف اليميني إلى أوروبا أعقاب أزمة اللاجئين 2015/2016 إلى تزايد المواقف الأوروبية المتشددة بشأن الهجرة؛ مما ضاعف بدوره من الضغط على مؤسسات الحكم الضعيفة في ليبيا. فقد وضعت الحكومة الإيطالية –التي يقودها تحالف من الشعوبيين اليمينيين واليساريين–على رأس أولوياتها الحد من تدفقات الهجرة إلى إيطاليا، فتبنت سياسة قاسية برفض جميع قوارب المهاجرين في الموانئ الإيطالية؛ كوسيلة للضغط على الدول الأوروبية الأخرى لقبول مزيد من الوافدين.

قد يكون لمواقف إيطاليا المتشددة إزاء مسألة الهجرة آثار كارثية في ليبيا، حيث يعيش أكثر من 650.000 مهاجر في مخيمات المهاجرين الجماعية، بلا غطاء قانوني، الأمر الذي يفاقم من مشاكل ملف الهجرة الذي تعجز السلطات الليبية الضعيفة عن إدارته.[14]

كان التنافس الواضح بين فرنسا وإيطاليا سببًا في جدل كبير حول المشاركة الأوروبية في ليبيا، وخاصة أنه تسبب في تقويض عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة، ويديرها ممثلها الخاص غسان سلامة. وترجع أسباب المنافسة الفرنسية الإيطالية جزئيًا إلى المصالح الخاصة المرتبطة بالوضع المحلي الحالي في كلا البلدين. ففيما تتمركز المصالح الاقتصادية لإيطاليا في طرابلس والغرب حيث تسيطر حكومة الوفاق الوطني، تكمن اهتمامات فرنسا في الجنوب حيث ينعدم القانون، كما يعود التنافس بشكل أساسي إلى مصلحة باريس في حماية استثماراتها السياسية في الساحل.

لذلك، وبينما تدعم كل من إيطاليا وفرنسا –نظريًا– العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، فإن كلتا الدولتين تدعم فصيلًا منافسًا للذي تدعمه الأخرى، بناءً على مصالح خاصة. إذ تفيد التقارير أن فرنسا تدعم حفتر في الشرق والجنوب بينما تدعم إيطاليا حكومة الوفاق الوطني في الغرب. هذا إلى جانب التنافس الاقتصادي الأضيق في الحصول على النفط الليبي لشركات النفط الوطنية التابعة لكل منهما. أيضًا لفرنسا وإيطاليا تاريخ يتنافسان فيه على الهجرة، والقيادة الأوروبية في البحر المتوسط، ومستقبل أوروبا الأوسع، وهي قضايا تتجاوز الملف الليبي. فبالإضافة لكونه تنافسًا على الموارد الاقتصادية والسياسية في ليبيا، يمثل التنافس الفرنسي الإيطالي اتجاهين سياسيين أوروبيين متعارضين حول المسار المستقبلي للاتحاد الأوروبي. [15]

أما لموسكو فثمة مصالح اقتصادية وأمنية واستراتيجية عديدة في ليبيا. فمن الناحية الاقتصادية، تعد ليبيا سوقًا هامًا للأسلحة، فقد باعت روسيا أسلحة بمليارات الدولارات لليبيا قبيل ثورة 2011. كذا تسعى روسيا إلى التأثير على صناعة النفط والغاز الليبية، وهو ما يتضح في التعاون الوثيق بين شركات النفط الحكومية الروسية ونظيراتها الليبية، وكان من المتوقع أن يزيد عقد الغاز الكبير الذي تم التفاوض عليه مع القذافي في عام 2009 من هيمنة روسيا على إمدادات الغاز الأوروبية. جدير بالذكر أن روسيا امتنعت في عام 2011 عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1973، ما سمح بتمرير القرار، رغم انتقادها فكرة تغيير النظام في ليبيا بعد أن كان قد تغير بالفعل.

في أعقاب التدخل العسكري الروسي في ليبيا، شعر الحلفاء الأوروبيين بالقلق، وتعززت مخاوفهم من سعي روسيا إلى بسط سيطرتها، من خلال تجنيد رجل إقليمي قوي مؤيد لسياساتها في ترسيخ النفوذ الروسي حول البحر المتوسط.[16] عزز من ذلك القلق، تقارير مخابراتية بريطانية، ظهرت أواخر 2018، تفيد باستعداد روسيا لتواجد عسكري –عبر قاعدة دائمة– في ليبيا، إلا أن وزير الخارجية الروسي “سيرجيه لافروف” نفى هذه التقارير لاحقًا.

كان الأوروبيون يشعرون بالقلق من أن بوتين يخطط من خلال التواجد العسكري في ليبيا، حيث تترسخ المصالح الأوروبية، إلى زيادة نفوذه على أوروبا. ومع ذلك، يؤكد بعض المحللون أن موسكو تعطي الأولوية لإحياء مبيعات الأسلحة ومكافحة الإرهاب، مقابل السيطرة على طرق الهجرة من أجل الضغط على أوروبا. [17]

يشدد المسئولون الروس على دعمهم لعملية المصالحة التي تقودها الأمم المتحدة ولمبدأ عدم التدخل، بينما يدعمون في الوقت نفسه الجيش الوطني الليبي التابع للجنرال حفتر. وعلى عكس حلفائها في القاهرة، تتبنى موسكو نهجًا أكثر انتقائية. إذ تدعم عسكريًا حفتر في الشرق، لكنها تستمر في الوقت نفسه في التعامل مع الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس. وفيما تعجز روسيا عن تزويد حفتر بالأسلحة مباشرة، تستطيع – بالتحايل على قرار حظر الأسلحة- تسليم الأسلحة له عبر دول أخرى.[18] أيضًا استقبلت روسيا حفتر في موسكو بصفته زعيم أجنبي، وقدمت له ولجيشه مساعدات مادية، مالية وعسكرية وتقنية، إذ يعتمد الجيش الوطني الليبي بالكامل تقريبًا على الأسلحة الروسية.

دعم روسيا لحفتر، وفقًا لبعض الخبراء، هو دعم ثلاثي الأبعاد، يستهدف أولاً الوصول إلى المزايا الاقتصادية، لاسيما في مجال الطاقة المربح، وبالتالي تعويض خسارة صفقات ما قبل 2011؛ وثانيا، تعزيز موقع روسيا العسكري على البحر المتوسط من خلال وجود عسكري في ليبيا، وبالتالي تعزيز نفوذها على أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ وثالثًا، جني الأرباح الجيواستراتيجية كلاعبٍ قادر على تسوية الأزمة الإقليمية، وتقديم روسيا في دور المُصلح الذي يستطيع عقد اتفاق فشلت الولايات المتحدة في تحقيقه. [19]

خاتمة: فرص ومخاطر التدخل الخارجي

الفكرة الأكثر قبولًا اليوم فيما يتعلق بدور الأطراف الخارجية في الصراع الليبي هي أن الدول الغربية تجاهلت الدروس المستفادة من التدخل في العراق وأفغانستان وثمنه الباهظ، والتي كان أهمها أن إسقاط الحكومات أمر سهل نسبيًا، ولكن المساعدة في بناء هياكل حكم فعالة وشرعية في بلدان ليس لها تاريخ ديمقراطي مستقر أمر بالغ الصعوبة، ويتطلب تواجدًا ودعمًا. [20] ولا شك أن أعضاء التحالف الذي تقوده منظمة حلف شمال الأطلسي، والذي تدخّل عام 2011، يتحملون مسئولية عدم متابعة الموقف في ليبيا، ما سمح بنمو الفراغ الأمني والحكومي. كما أدى التدخل الخارجي في الوقت نفسه إلى تفاقم العديد من المشكلات الداخلية في ليبيا، فاستغل اللاعبون الليبيون في كثير من الأحيان الأطراف الخارجية في شأن وقدرة ومسئولية الجهات الفاعلة المحلية في حل النزاعات الوطنية، كما استخدموا الأطراف الخارجية في إضعاف فرص تحقيق سلام دائم.

على مدار الأعوام الثمانية التي تلت الإطاحة بالقذافي، أدت الآراء المتباينة بين القوى الرئيسية الأوروبية والشرق أوسطية وروسيا حول المجموعات التي تؤيدها كل منها إلى تفاقم الخصومات وإضعاف عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة. في حين أن مخاوف دول الجوار، والمتمثلة في منع انتشار الفوضى الأمنية، هي مخاوف مبررة. ومن ثم فدوافع مصر والإمارات وتركيا وقطر تنطلق بالأساس، وبدرجات متفاوتة، منم مصالحها الإقليمية الأكبر (التي غالبًا ما تكون متصلة بأوضاعها الداخلية) على حساب مصالح ليبيا. ويركز الاتحاد الأوروبي أكثر من اللازم –رغم وجوده ونشاطه في ليبيا داعمًا لجهود الأمم المتحدة– على أزمة تماسكه الداخلي على حساب رؤية انتقالية لليبيا أبعد من قضيتي الهجرة والأمن.

علاوةً على ذلك، فإن المصالح الاقتصادية والسياسية الفرنسية والإيطالية المتنافسة تتسبب في عرقلة عملية المصالحة الي تقودها الأمم المتحدة. كما لا تدفع الولايات المتحدة أي ثمن لفشلها في متابعة تدخلها في ليبيا، لأن الولايات المتحدة تهتم بشكل متزايد بوضعها الداخلي، ولا يُظهر دونالد ترامب سوى القليل من الرغبة في محاولة إصلاح أخطاء الإدارات السابقة.  وكما هو الحال في أي مكان آخر في المنطقة، تُظهر روسيا استعدادًا للاستفادة من الفراغات السياسية والأمنية وتستغل الفرص لتحقيق مكاسب اقتصادية وجيوسياسية.

باختصار، تمثل ثروات ليبيا النفطية وموقعها الجغرافي الاستراتيجي عبئًا يقع على عاتق البلد منذ عام 2011، وما فتئت الجهات الفاعلة الخارجية ذات المصالح الراسخة في ليبيا تقوض بشكل متزايد السعي لتحقيق سلام دائم من أجل تعزيز مصالحها الداخلية وأجنداتها الإقليمية والعالمية الأكبر.

يثير التنامي المتزايد بين النزاعات المحلية في الشرق الأوسط وبين الساحات الجيوسياسية الأخرى قلقًا شديدًا، حيث أنه يربط بين آفاق الاستقرار في الشرق الأوسط –المعقد بما فيه الكفاية– وبين تعقيدات السياسة الجغرافية العالمية. فرغم أن البنية المكوَّنة من ثلاث مستويات للنزاع لا تقتصر على ليبيا أو على الشرق الأوسط وحده، إلا أنها قد تكون واضحة بشكل خاص في هذه المنطقة بسبب تضارب مصالح القوى الإقليمية والدولية.

ومن الجدير بالملاحظة أن تونس هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي أدت فيها الانتفاضات الشعبية عام 2011 إلى نظام حكم ديمقراطي مستقر إلى حد معقول، وهي دولة ليس لديها أصول جيوسياسية ذات أهمية تجذب التدخل الأجنبي. [21]

التحدي الذي يواجه صناع السياسة هو أن تلك الثلاث مستويات ترتبط ببعضها بشكل جوهري. لذا لن تستقر ليبيا ولا اليمن ولا سوريا دون إجابة مستدامة على سؤال الحكم. ولكن حتى أفضل التوافقات على الحكم لن تنجح في الاستقرار في الوقت الذي تغذي فيه القوى الإقليمية الصراع بالمال والأسلحة، وتغيّر من ميزان القوى، وتُضعف من حوافز الفصائل المتحاربة للسعي إلى حل وسط، وكذا في ظل استمرار القوى الدولية في خوض معاركها الجيوسياسية الأكبر على الأراضي الليبية أو اليمنية أو السورية. إن الترابط بين الثلاث مستويات هذه في حد ذاته، يعني أنه عندما يوجد صراع متعدد المستويات، يجب التعامل معه بمنهجية متعددة المستويات أيضًا، والتي بدورها هنا تعالج تلك المستويات الثلاث بالتزامن. وبناءً عليه، فإن إيجاد مساحات جغرافية وجيوسياسية يجب بداية أن يكون قابلا للتنفيذ سياسيا.

[1] Mattia Toaldo: A Quick Guide to Libya’s Main Players, European Council on Foreign Relations, 2018.
[2] Robert Allen et al: Empowered Decentralization: A City-Based Strategy for Rebuilding Libya, Brookings Institution, February 2019.
[3] Toaldo, op cit.
[4] Guma El Gamaty: Foreign interference is threatening Libya’s future as one state, Al Jazeera, 7 March 2018.
[5] Giuseppe Dentice: Egypt’s security and Haftar: al-Sisi’s strategy in Libya, ISPI, 2 February 2017.
[6] Ursula Lindsey: Libya and Egypt, The Arabist, 17 February 2015.
[7] United Nations Security Council: Letters dated 5 September 2018, and 28 December 2018, from the Panel of Experts on Libya established pursuant to resolution 1973 (2011) addressed to the President of the Security Council, S/2018/1176 and S/2018/812.
[8] United Nations Security Council, op cit.
[9] Alan J. Kuperman: Obama’s Libya Debacle, Foreign Affairs, March/April 2015.
[10] Allen et al, op cit.
[11] Hafed al-Ghwell: The United States should not get involved in Libya’s civil war, Atlantic Council, 14 November 2018.
[12] Pierre Vimont: Europe: In Search of a Role, The Cairo Review of Global Affairs, Fall 2018.
[13] International Crisis Group: How Libya’s Fezzan Became Europe’s New Border, ICG, 31 July 2017.
[14] Federica Saini Fasanotti, Ben Fishman: How France and Italy’s Rivalry Is Hurting Libya, Foreign Affairs, 31 October 2018.
[15] Fasanotti/Fishman, op cit.
[16] Pigman, Orton: Inside Putin’s Libyan Power Play, Foreign Policy, 14 September 2017.
[17] Omar Shariff: Russia’s role in Libya more nuanced than it seems, Gulf News, 10 December 2018.
[18] Wolfgang Pusztai, The Haftar-Russia Link and the Military Plan of the LNA, ISPI, February 2017.
[19] Pigman/Orton, op. cit
[20] Allen et al, op. cit
[21] See also Kristina Kausch: Tunisia’s Blessed Scarcity, FRIDE, 2014.

Read this post in: English

Exit mobile version