تحديات الحركة الحقوقية بعد الربيع العربيرؤىملفات

رؤى: دعم حقوق الإنسان في العالم العربي، صورة متغيرة وغير منسجمة

حمل هذا المقال كبي دي إف

يتعرض المدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان والمنظمات العاملة في المجال -والتي تم تأسسيها على مدى ثلاثة عقود تقريبًا- في العالم العربي منذ عام 2011، لهجوم متزايد داخل بلدانها، حيث تم إجبار العديد منها على الاختيار بين الحد من عملها أو المنفى. يحدث هذا في ظل بيئة إقليمية فوضوية، تنافست فيها حكومات الدول العربية للاحتفاظ بالسيطرة، أو في محاولة استعادة السيطرة، بينما كان مواطنوها يطالبون بالمسائلة.

تغيرت أيضًا مشاركة المجتمع الدولي في مجال حقوق الإنسان في العالم العربي منذ 2011،  فلم تكن قوية أو متسقة على الإطلاق. إذ تأثرت تلك المشاركة بما حدث في المنطقة نفسها، فضلاً عن التطورات السياسية والاقتصادية داخل أوروبا والولايات المتحدة، وتطورات أخرى على المستوى العالمي.

إن الإحساس بفشل الثورات العربية، ومخاوف الهجرة والإرهاب الآتي من المنطقة، بالإضافة إلى الإغراء بجني الأرباح من جراء الصراعات الإقليمية، كلها عوامل أدت إلى تآكل رغبة القادة الغربيين في المشاركة في مواجهة هذه القضايا.

التطورات الإقليمية والمحلية والعالمية تدفع إلى نهج انعزالي

أولًا، أحدثت الثورات والانتفاضات التي بدأت في البلدان العربية أواخر 2010 ردود فعل متباينة في الولايات المتحدة وأوروبا، واختلف المسئولون الحكوميون وخبراء الشئون الخارجية بشدة فيما بينهم حول ما إذا كانت الثورات بداية جديدة مبشرّة للمواطنين العرب أم كارثة أمنية. علاوةً على ذلك، كان المسئولون والمراقبون في الغرب عُرضة لتأثيرات متناقضة بشدة تأتي من المنطقة، فكان إلهام النشطاء الشباب وقادة المجتمع المدني الذين ينادون بالتغيير، يناقض تحذيرات المسئولين الحكوميين في بعض البلدان –خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل– من خطر الفوضى وصعود الإسلام السياسي.

ولسوء الحظ، سادت السردية الأخيرة في نهاية المطاف. فبعد فشل معظم الثورات واندلاع الحرب في العديد من البلدان العربية بحلول عام 2013، أصبح المفهوم السائد في الغرب هو أن الانتفاضات كانت كارثة.

ثانيًا، تزامنت فترة الاضطرابات في العالم العربي مع أزمة مالية واقتصادية صعبة في الولايات المتحدة وأوروبا، هزت الثقة في الأنظمة السياسية والاقتصادية للسوق الديمقراطية. جاء ذلك في أعقاب تجارب صعبة للحملات العسكرية في العراق وأفغانستان، قلبت المواطنين- ربما على حق- ضد التدخلات العسكرية، وقد أدت هذه المشاكل الاقتصادية والعسكرية لموجة جديدة من الانعزالية.

كانت الانعزالية الجديدة واضحة في الولايات المتحدة في وقت مبكر من الحملة الرئاسية لعام 2008، عندما تنافس السيناتور باراك أوباما وفاز ببرنامج أكثر انعزالية بكثير من منافسه السناتور جون ماكين. ولما وصل الرئيس أوباما إلى منصبه، أوضح أن هناك مسألتين تتعلقان بالشرق الأوسط يعتزم أن يعطيهما الأولوية، وهما إسرائيل/فلسطين، وإيران.

لم يكن أوباما مستعدًا تمامًا للثورات العربية في عام 2011، وفشل في القيام بدور قيادي في التعامل معها. ومن ناحية أخرى حاولت أوروبا تقديم استجابة أكثر مصداقية في شكل مساعدات اقتصادية، لكن تصويت البرلمان البريطاني في أبريل 2013 على عدم فرض خط أحمر ضد استخدام الأسلحة الكيميائية (وهو الموقف الذي انضم إليه الكونجرس الأمريكي بعد ذلك بوقت قصير) أوضح عدم استعدادها لمواجهة الزعماء العرب بارتكابهم انتهاكات لحقوق الإنسان.

فهل كان وضع الصراع في سوريا سيختلف لو تدخلوا هؤلاء المتحالفين مع التمرد بشكل أكثر قوة في 2012 و2013؟ سؤال لا يمكن الإجابة عليه. لكن من الواضح أن حسابات أوباما التي رجحت أن الحرب السورية يمكن احتوائها كانت غير صحيحة، بينما دفعت أوروبا ثمن موقفها بوصول نحو مليون لاجئ سوري إلى أراضيها.

ساعد التدخل بقيادة الناتو على الإطاحة بالزعيم الليبي القذافي، لكنه فشل في المساعدة في بناء قوة مسلحة جديدة، وأصبحت ليبيا نقطة عبور للاجئين والمهاجرين الأفارقة الذين بدأوا يتدفقون عبر البحر الأبيض المتوسط ​​بالآلاف.

في النهاية، الأرقام ليست كبيرة. فقد استقبلت كل من تركيا ولبنان والأردن لاجئين سوريين أكثر من كل من استقبلتهم أوروبا مجتمعة، لكن تنامي الهجرة كان مصحوبًا في الوقت نفسه بزيادة في الهجمات الإرهابية في أوروبا، وهي هجمات في معظمها صغيرة ولكنها مخيفة للعامّة، كما رأينا ظاهرة انضمام الأوروبيين إلى الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.

لم تتأثر الولايات المتحدة بشكل مباشر بتدفق اللاجئين المتزايد من الشرق الأوسط وأفريقيا، لكن المشاعر المناهضة للهجرة تطورت أيضًا هناك بسبب التدفق المتزايد للأشخاص الفارين من العنف وعدم الاستقرار في أمريكا اللاتينية. ساهم الشعور المناهض للهجرة –إلى جانب الاضطرابات الاقتصادية المرتبطة بالعولمة– في الانتصار الانتخابي الذي حققه دونالد ترامب الذي جاء إلى السلطة في نوفمبر2016 ليتبع سياسة خارجية قومية وتجارية قوية.

كذا فإن عدة هجمات إرهابية في عامي 2015 و2016، نفذها متعاطفون مع داعش، قد مهدت الطريق أمام قرار إدارة ترامب في يناير 2018 بحظر اللاجئين والمهاجرين من سوريا وليبيا واليمن والعراق وإيران والصومال. وبعد معارك قانونية وصلت إلى المحكمة الدستورية العليا، واعتبارًا من يونيو 2018، صدرت القائمة المعدلة التي تحظر إصدار تأشيرات لأشخاص من إيران وليبيا وسوريا والصومال واليمن، فضلًا عن كوريا الشمالية وفنزويلا (فقط المسئولين الحكوميين)، بينما يُسمح فقط بإصدار تأشيرات للطلاب ضمن استثناءات أخرى، إلا أن القضية الرئيسية هي أنه تم الحد وبشدة من التأشيرات التي تُمنح لأشخاص من البلدان الخمسة المذكورة ذات الأغلبية المسلمة.

لرؤية هذه الصورة بشكل أوسع وعلى المستوى العالمي، تجدر الإشارة إلى أن بعض الاتجاهات في أوروبا والولايات المتحدة مرتبطة بظواهر أكبر بكثير، لاسيما رد الفعل العالمي ضد التفاوتات الاقتصادية التي تغذيها العولمة وتزايد إصرار الجنوب العالمي –سواء من قِبل حكومات البلدان النامية التي تسعى إلى دور أكبر في حكم العالم، أو من قِبل مواطني تلك الدول التي تصوت بأقدامها على ترك الفقر والعنف وعدم الاستقرار.[1]

هذا التوجه الجديد بعيدًا عن العولمة ونحو النزعة القومية ليس مجرد نزعة شعبوية غير محسوبة تتبناها مجموعات بعيدة عن النخبة السياسية، بل هو على النقيض تمامًا. ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يناقش مثقفون مؤثرون داخل النخبة المحافظة ما إذا كان هذا الاتجاه مفيدًا أم خطيرًا.

تشير نادية شادلو، الزميلة في معهد هودسون المحافظ، والتي كانت نائبة لمستشار الأمن القومي في إدارة ترامب، في مقال في سبتمبر2018: ” لم تحقق العولمة الوعد الذي كان مؤيدوها يأملون به، بل ساهمت، في كثير من النواحي، في تفاقم عدم المساواة في الدخل، وفي حدوث أزمات هجرة حادة في جميع أنحاء الغرب، ولم تتمكن من تهدئة سلوك دول مثل إيران. وإدراكًا لهذه الحقائق، فتحت الإدارة محادثة حول قضية السيادة والدرجة التي يمكن الاعتماد فيها على الدول الفردية، التي تسعى وراء مصالحها الوطنية، في حل المشكلات المزمنة.”[2]

في الوقت نفسه، يتفق روبرت كاجان، وهو أحد المفكرين المحافظين المؤثرين، مع شادلو على أن هناك رغبة عميقة بين الأمريكيين في التخلي عن دور قيادة العالم الذي تمارسه أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية لصالح سياسة خارجية “طبيعية.” لكن على عكس شادلو، يحذر كاجان من أن الأمريكيين ربما لن يرحبوا بنتائج مثل هذا التوجه.

ويضيف كاجان: “المشكلة هي أننا عشنا داخل فقاعة النظام العالمي الليبرالي لفترة طويلة لدرجة أننا نسينا ما يبدو عليه العالم كما هو بالفعل. من الواضح أن هؤلاء النقاد الذين يصرون على أن ربع القرن الأخير من السياسة الخارجية الأمريكية كان كارثة يعانون من قصر الذاكرة… حتى لو شهدت السنوات الخمس والعشرون أو الثلاثون الأخيرة حصتها من الإخفاقات، فقد اتسمت بسلام قوة عظمى، وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، واتساع نطاق الديمقراطية. المفكر الواقعي الحقيقي سوف يدرك أنه مهما كانت الإشكالية خلال الخمسة وعشرين سنة الماضية، فمن المرجح أن يذهب بنا مسارنا الحالي إلى الأسوأ بكثير.”[3]

إن الفكر الانعزالي أو المعادي للعولمة لا يقتصر على اليمين السياسي فقط، لكنه موجود في الولايات المتحدة في أقصى اليسار أيضًا.

وجهات النظر الأكثر سوداوية تُترجم إلى سياسات أقل توافقاً مع حقوق الإنسان

يدفع الشعور بفشل الثورات العربية –وكذا المخاوف المتنامية بشأن الهجرة والإرهاب، والشعور العام بعدم اليقين بشأن النظام العالمي– صانعي القرار والمواطنين على حد سواء في أوروبا والولايات المتحدة إلى النظر إلى المنطقة باعتبارها مصدرًا للتهديدات بدرجة أكبر مما كانوا يفعلون في الماضي. كما تنحسر الأفكار التي كانت ترى في المنطقة فرصًا مشرقة، لسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، على سبيل المثال، أو لقدر أكبر من الحرية على أساس الثورات التي يقودها الشباب ضد الزعماء الاستبداديين،  الأمر الذي أفسح المجال للسياسات التي يبررها الخوف أكثر من الأمل. كما أدت هذه النظرة القاتمة إلى تغييرات في كيفية تعامل أوروبا والولايات المتحدة مع قضايا حقوق الإنسان في المنطقة العربية، وهي تغييرات تبدو مأساوية من بعض النواحي، ولكنها قد تكون فقط جزئية وغير متساوية من نواحي أخرى.

في أوروبا، أدت نتائج الانتفاضات العربية وموجة اللاجئين القادمين من سوريا وعبر ليبيا إلى سياسات أقل اتساقًا بكثير تجاه حقوق الإنسان. ولا يمكن القول أن السياسة الأوروبية كانت دائمًا متسقة مع حقوق الإنسان، حيث كانت هناك وجهات نظر مختلفة بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في هذا الصدد.

فبشكل عام، تميل دول الشمال الأوروبي والمملكة المتحدة لأن تكون أكثر حزمًا في مناقشات حقوق الإنسان، بينما كان الجيران على البحر المتوسط ​أقل ميلًا إلى انتقاد الحكومات العربية -مع اختلاف مواقف فرنسا وألمانيا اعتمادًا على القضية وعوامل أخرى. وكما أشار ريتشارد يونجز، اتسعت الخلافات بين الدول الأعضاء لأنها تقرأ إمكانات الانتفاضات العربية بطرق مختلفة بداية من عام 2011[4]  ثم احتدت هذه الخلافات مع الأزمة المزدوجة التي تلت ذلك والمتمثلة في الإرهاب والهجرة.

ولعل أبرز مظاهر السياسات المتغيرة في أوروبا هي الترتيبات التي تم التوصل إليها مع الحكومات الاستبدادية القوية في تركيا (مارس 2016) وفي مصر (2015)، وكذلك الترتيبات الخاصة بليبيا (فبراير 2017)، وهي ترتيبات ما يعرف بـ”تصدير” قضية الهجرة والتي أدت بدورها إلى تقارير عن حدوث زيادة حادة في انتهاكات حقوق الإنسان،[5] وبالإضافة إلى التسبب في انتهاكات جسيمة ناتجة عن استمرار إعاقة المهاجرين. من جانبها بدت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مترددة في إثارة قضايا انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان مع الحكومات العربية التي طلبت مساعدتها مع المهاجرين. إيطاليا، على سبيل المثال، ظلت تخفف من ضغطها من أجل العدالة لمواطنها جوليو ريجيني، طالب الدكتوراه الذي تُتهم الشرطة المصرية بتعذيبه بوحشية حتى الموت في عام 2015.[6]

ويبدو أيضًا أن القرارات المتعلقة بمتابعة مشكلات محددة أو عامة لحقوق الإنسان في المنطقة قد تأثرت بشكل متزايد بالمنافسة على الصفقات التجارية بين الدول الأوروبية، وكذلك بينها وبين غيرها من الدول -خاصةً الولايات المتحدة وروسيا- وبصفة خاصة في قطاعات الطاقة والأسلحة. حيث كان لشركة “إيني” الإيطالية حصة كبيرة في تطوير احتياطي مصر من الغاز البحري، وهو ما أدى بدوره إلى تعقيد الجهود الرامية إلى استمرار التحقيق في قضية ريجيني.[7]

ارتفعت مبيعات الأسلحة بحدة في خضم الحروب التي تلت الانتفاضة العربية، وهي فرصة لم تتوان الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا عن استغلالها. فقد عقد الشرق الأوسط في الفترة بين 2012 و2017، صفقات استيراد لما يقرب من ثلث الأسلحة التي تم بيعها في العالم، وهي زيادة كبيرة مقارنة بالفترة السابقة. وكانت المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة بين أكبر أربع دول مستوردة للأسلحة، بينما كانت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا أكبر الموردين.[8] ولا يخجل القادة، بمن فيهم الرئيس الأمريكي ترامب والرئيس الفرنسي إميل ماكرون، من الحديث عن صفقات الأسلحة الكبيرة مع مثل هذه البلدان بل يعدونها إنجازات سياسية مهمة بسبب قدرتها على مساعدة ناخبيهم على خلق أو الحفاظ على وظائف في مجال التصنيع. بينما في السياق ذاته تُتهم الدول الثلاث المستورِدة الكبرى باستخدام الأسلحة والتكنولوجيا المستوردة في ارتكاب انتهاكات حقوقية مأساوية، إذ تستخدم السعودية والإمارات تلك الأسلحة في اليمن وكذلك في الداخل، ومصر في الداخل في المقام الأول ولكن أيضًا في ليبيا.

وبالانتقال إلى الولايات المتحدة، حدث تحّول كبير في سياسة حقوق الإنسان في ظل قيادة ترامب، الذي أخذ يشيد بالقادة الاستبداديين -ومن بينهم كيم جونج أون من كوريا الشمالية- بطريقة لم يكن من الممكن تصورها في السابق. كذا فشل ترامب في دعم بعض الحلفاء الديمقراطيين في الدفاع عن حقوق الإنسان، فقد اتخذ على سبيل المثال موقف محايد ومدروس عندما طردت المملكة العربية السعودية السفير الكندي في أغسطس 2018 بعد أن دعت السفارة الكندية إلى إطلاق سراح ناشطات في مجال حقوق المرأة في السعودية.

هذا التحول بدأ في الحقيقة في وقت مبكر، على الأقل منذ تنصيب الرئيس باراك أوباما في يناير 2009، فقد دعم أوباما مبادئ حقوق الإنسان خطابيًا، إلا إنها غالبًا ما كانت غائبة أو غير فعالة في نطاق الدبلوماسية الثنائية. حيث أعطاها أوباما أولوية منخفضة -أقل، على سبيل المثال، من تلك التي منحها سلفه جورج بوش- مقارنةً بقضايا أخرى، مثل رغبته في إقامة تسوية نووية مع إيران.

من ناحية أخرى، أثار ترامب بشكل عام قضايا حقوق الإنسان بشكل علني ولكن فقط فيما يتعلق بالأعداء المعلنين، مثل إيران وفنزويلا، لكنه في بعض الحالات اتبع دبلوماسية وراء الكواليس بجهد أكبر من الذي بذله أوباما، في المطالبة بالإفراج عن المواطنين الأمريكيين المسجونين لأسباب سياسية في مصر، على سبيل المثال. واتفق أوباما وترامب حتى الآن في إحجامهما عن التضحية بمبيعات الأسلحة أو العلاقات العسكرية في سبيل الدفاع عن حقوق الإنسان. حيث فضل كلاهما دعم السعودية والإمارات العربية المتحدة في تدخلاتهما العسكرية المكلفة في اليمن، واستأنف كلاهما تقديم المساعدات العسكرية لمصر وتعليقها لفترات قصيرة بسبب مخاوف متعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية. ومن حيث دعم حقوق الإنسان، فقد دعا كلاهما إلى حماية حقوق مواطني الولايات المتحدة الذين يعانون من الانتهاكات، إلا أنهم لم يذهبوا أبعد من ذلك.

الهيئات التشريعية تحافظ على الشعلة متقدة

لا يبدي كبار القادة في الولايات المتحدة وأوروبا اهتمامًا كبيرًا بحقوق الإنسان في العالم العربي في الآونة الأخيرة، إلا أن ذلك يمثل فقط جزءً من الصورة. حيث يميل المشرعون إلى أن يكونوا أكثر ثباتًا في جعل حقوق الإنسان جزءً من السياسة الخارجية، وخاصة مجلس الشيوخ الأمريكي وبرلمان الاتحاد الأوروبي. وكان هذا هو الحال خاصة فيما يتعلق بالبلدان التي تتلقى مساعدات كبيرة، سواء المساعدات الاقتصادية أو الأسلحة، مثل المملكة العربية السعودية ومصر.

أصبحت الوفيات بين المدنيين وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالحملة العسكرية السعودية الإماراتية في اليمن محط اهتمام خاص لدى المشرعين، حتى أنهم أجبروا الحكومات في بعض الحالات على وقف بيع الأسلحة. وكان هذا هو الحال بشكل خاص بعد أن خلص تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في أغسطس 2018 إلى أنه: “ارتكب أفراد في الحكومة (اليمنية) والتحالف، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، أعمالًا قد تصل إلى حد جرائم الحرب.”[9] فقد ألغت إسبانيا بيع قنابل موجهة بالليزر إلى المملكة العربية السعودية في سبتمبر2018، كما أوقفت ألمانيا، على الأقل بشكل مؤقت، مبيعات الأسلحة إلى المملكة قبل ذلك بعدة أشهر. ومنعت النرويج وفنلندا المبيعات إلى الإمارات.[10] كما شكك أعضاء المعارضة في البرلمان البريطاني في مبيعات الأسلحة للسعودية خلال نقاش جرى في سبتمبر 2018، وأجبرت الجهود الحزبية في الكونجرس الأمريكي وزير الخارجية مايك بومبيو على الإقرار علنًا بأنه: “على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة القيام بإجراءات يمكن إثباتها للحد من مخاطر إلحاق الأذى بالمدنيين” وذلك كشرط لمواصلة مبيعات الأسلحة.”[11] ومن المتوقع حدوث المزيد من الضغط على هذه الجبهة.

وبالمثل، تعرضت المساعدة الأمنية الأمريكية لمصر لضغوط من السلطة التشريعية، حيث قرر الكونجرس ربط وضع حقوق الإنسان والديمقراطية بالمساعدات منذ عام2012، وبالنسبة للسنة المالية 2018 -آخر سنة صدر خلالها تشريعات- فقد زاد مبلغ المساعدات المقدمة من 195مليون دولار إلى 300 مليون دولار من أصل 1.3 مليار دولار. كان تطبيق هذه السياسة مسألة معقدة، كما هو موضح أعلاه، حيث استمرت كل من إدارة أوباما وترامب في تبني سلوك مراوغ – في بعض الأحيان توافقان على حجب المساعدات، ولكن في نهاية المطاف تتنازلان عن الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان وتوفر المساعدات متعللة بـ”الأمن القومي”.

ختام

تولي السلطات التنفيذية للحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا اهتمامًا أقل من ذي قبل لقضايا حقوق الإنسان في البلدان العربية، كما أن مواقفها تفقد المنهجية التي حازتها من الناحية الإجرائية من قبل. لم يتطور هذا الوضع بين عشية وضحاها، بل إنه وصل إلى تلك الدرجة على مدى عقد من الزمان، ومن غير المرجح اختفاء هذه الحالة بسرعة، لأنها مرتبطة بالاتجاهات المحلية والإقليمية والعالمية.

بالنسبة للمدافعين عن حقوق الإنسان في العالم العربي، فإن هذا الاهتمام الضعيف وغير المتسق من جانب القادة الغربيين يثير إشكالية، لكن لايزال هناك أمل، حيث أن المواطنين في الدول الديمقراطية وممثليهم المنتخبين مازالوا يشاركون. وفي بيئة سياسية متغيرة بسرعة، من الممكن تمامًا أنه في غضون بضع سنوات يتم انتخاب قادة جدد يأخذوا مسارًا مختلفًا تمامًا. الأمر الذي يتطلب من المدافعين العرب عن حقوق الإنسان العمل مع شركاء في دول أخرى لضمان أن البرلمانيين والمرشحين لمناصب رفيعة والموظفين وغيرهم من المواطنين ذوي الوعي السياسي لديهم إلمام جيد بقضاياهم. ومن الضروري أيضًا إقامة علاقات مع السلطة التنفيذية والمحافظة عليها، علمًا بأن هذه السلطات قد تختار اتخاذ إجراءات محددة في أوقات محددة بشأن قضايا محددة لحقوق الإنسان – على سبيل المثال، تلك المتعلقة بمواطني البلد المعني.


[1] Inge Kaul, The Rise of the Global South, UN Development Program, 2013

[2] Nadia Schadlow, “It’s time to accept that not every nation wants to be friends,” New York Post, September 15, 2018,

[3] Robert Kagan, The Jungle Grows Back: American and Our Imperiled World,” New York, Alfred A. Knopf, 2018, p. 105.

[4] Richard Youngs, “20 Years of the Euro-Mediterranean Partnership,” Mediterranean Politics, May 2015, accessed at

[5] See Human Rights Watch, “Towards an Effective and Principled EU Migration Policy,” June 18, 2018,

[6] Declan Walsh, “Why was an Italian graduate student tortured and murdered in Egypt?,” The New York Times Magazine, August 15, 2017,

[7] Associated Press International, “Egypt thanks Eni for gas efforts despite Regeni affair,” January 31, 2018,

[8] See Stockholm International Peace Research Institute analysis

[9] United Nations Human Rights, Office of the High Commissioner, “Yemen: United Nations experts point to possible war crimes by parties to the conflict,” August 28, 2018,

[10] Dominic Dudley, “Why more and more countries are blocking arms sales to Saudi Arabia and the UAE,” Forbes, September 7, 2018,

[11] Secretary of State Michael R. Pompeo, “Certification to Congress on Actions of Saudi Arabia and UAE in Yemen Under the NDAA,” U.S. Department of State, September 12, 2018,

Read this post in: English

المصدر
الصورة: تمام عزام
اظهر المزيد

ميشيل دن

مدير برنامج الشرق الأوسط، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى